مَن الذي سيعيد إعمار سوريا؟ كيف ومتى؟ ــ أحمد عثمان
بلد منهك دمّرته الحرب الطويلة، هذا هو حال سوريا اليوم، فهل يكون بعد هذه الحرب والدمار سلام وإعمار؟ ألم يأن للحرب أن تضع أوزارها؟
في الحرب المستمرّة منذ أكثر من ست سنوات وعلى كامل التراب السوري لا حسم يظهر لأيّ من الطرفين. والصورة الوحيدة التي يستطيع الناظر إلى سوريا أن يبصرها هي مشاهد الأبنية المهدّمة، والمدارس التي أمست بلا طلاب، والمساجد ودور العبادة التي لم تراعَ حرمتها، والكثير من المنشآت التي غدت أطلالاً، وشبكات الكهرباء والماء والهاتف وغيرها من المرافق الخدمية أصبحت شبه معدومة، ونازحون من هنا إلى هناك وجدوا أنفسهم بلا مأوى.
كل هذا يثير التساؤلات، إلى متى تستمرّ الحرب وتستمرّ معها هذه الحال؟ البعض بدا متفائلاً بدنو نهاية الحرب في سوريا، بينما استبعد آخرون حصول تسوية أو نهاية لهذه الحرب. الدكتور المهندس أحمد الناصير رئيس مجلس الأكاديميين في درعا والقنيطرة استبعد أن يكون هناك نهاية قريبة للحرب في سوريا لعدم وجود إرادة دولية بذلك كما يرى. وقال متحدثاً لـ “الغربال”: ” أتوقع أن مؤشرات انتهاء الحرب لا تزال بعيدة، لا توجد رغبة دولية بإنهاء الحرب في سوريا، وكأن أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي راغبة في استمرار الأزمة لأمد بعيد جداً، وراغبة في الاستثمار في الواقع السوري”.
ولكن ماذا لو طالت الحرب؟ هل سيتم إعادة الإعمار في ظل هذه الظروف الصعبة؟ قد يبدو ذلك ممكناً كما يقول الدكتور أحمد الناصير متابعاً حديثه:” هناك الكثير من الشركات عبر البحار والتي تتبع لبعض الدول والحكومات ترغب بالاستثمار في المناطق الخطرة. وهو ما يعرف اقتصادياً برأس المال المغامر، فمفهوم رأس المال الجبان تغيّر ورأينا هذا في العراق، فالكثير من الشركات تقحم نفسها بالاستثمار في الظروف الخطرة جداً وتدفع تكاليف أمنية باهظة ولكنها تجني أرباح كبيرة “.
لا إعمار قبل نهاية الحرب
من الصعوبة أن يكون هناك إعادة إعمار شامل في سوريا بالمفهوم المعروف والمتداول في ظل الحرب، فالاستقرار شرط أساسي لذلك. لذا يقتصر الإعمار في الوقت الحالي على أعمال الترميم والصيانة للمرافق العامة التي تقوم بها الحكومة السوريا المؤقتة. وفي هذا الشأن يقول الدكتور عبد الحكيم المصري معاون وزير المالية في حديث لـ “الغربال”: ” تتم إعادة الإعمار على شكل مشاريع حالياً من خلال ترميم المدارس والمرافق المهمّة، كتأهيل محطات ضخ المياه وترميم الجسور وصيانة الطرق وغيرها، ولا يمكن وضع خطة الآن بشكل نهائي بسبب أن آلة التدمير من قبل روسيا وإيران والنظام مستمرة ولم تتوقف، لذلك يتمّ إعادة تأهيل البنية التحتية من خلال المشاريع”.
وعن الكلفة التقديرية لإعادة إعمار سوريا قال المصري: “تراوحت الأرقام حول تكاليف إعادة الإعمار من 200 الى 400 مليار دولار ولكن أكثرها دقة مبلغ 320 مليار دولار، وهذا رقم ضخم تعجز عنه الحكومة في الوقت الحالي إذ لابد من توفر الاستقرار للبدء بإعادة الإعمار بشكل كامل “.
كذلك تسهم منظمات المجتمع المدني بأعمال الصيانة والترميم وإعادة تأهيل البنية التحتية. يقول الأستاذ معتز يوسف مدير مؤسسة منظمات المجتمع المدني في حديث لـ”الغربال”: “تسعى هذه المنظمات ضمن خططها السنوية ومن خلال المشاريع التي تقدمها إلى الجهات المانحة إلى إعادة الأعمار وخاصة بما يخصّ البنية التحتية التي تشمل المرافق العامة، وقامت بعض المنظمات بإجراء مشاريع ترميم مراكز إيواء لبعض الأبنية الحكومية بهدف إيواء المهجرين مؤقتاً وبعد انتهاء الأزمة يتمّ تسليم هذه الأبنية إلى الجهات المختصة”.
أعمال مشابهة قد تقوم بها فصائل الثوار في المناطق التي تقوم بتحريرها من سيطرة النظام، ولعلّ في مدينة بصرى الشام نموذجاً يحتذى في هذا الخصوص، إذ قامت الفصائل العسكرية فيها بأعمال مهمّة، في هذا السياق يقول مقداد المقداد عضو المكتب الإعلامي في قوات شباب السُّنة في حديث لـ”الغربال”: “بعد تحرير مدينة بصرى الشام بتاريخ 25 آذار 2015 عمدت قوات شباب السنة إلى بذل قصار جهدها في إعادة تأهيل المدينة و النهوض بها إلى جانب الفعاليات المدنية، وتمّ دعمها بكافة الاحتياجات حسب الإمكانيات من الآليات والأموال وما إلى ذلك”.
وتابع: “كما تمّ إطلاق الفريق الإداري وإحداثه من أجل هذه الغاية وقد أنجزنا أعمال كثير ومهمّة، ونذكر أمثلة على ذلك ترميم المدارس والآبار والمساجد وصيانة الطرق وإعادة تأهيل الحدائق وصيانة المخبز القديم وبناء مخبز جديد آخر، بالإضافة إلى تقديم الدعم للمستشفيات وصيانة المرافق العامة والمؤسسات الحكومية كبناء الشرطة والوحدة الطبّية ومبنى البريد وغيرها الكثير”.
ولكن في مرحلة ما بعد الحرب سيكون دور الجيش الحرّ أكبر وأكثر فاعلية كما يوضح لنا المقداد الذي يتابع كلامه قائلاً: “وبعد انتهاء الحرب يمكن أن يساهم الجيش الحرّ بشكل أكبر في إعادة الإعمار وذلك من خلال وضع جميع إمكانياته المادية والبشرية من أجل هذه الغاية، كما سيقوم بتقديم كافة التسهيلات اللازمة للشركات والمنظمات التي ستتولى عملية إعادة الإعمار، كما سيوفر المناخ المناسب والحماية المطلوبة”.
جوانب مهمة في إعادة الإعمار:
لا يقتصر موضوع إعادة الإعمار على البناء والحجر وإنما هناك ضرورة لبناء الإنسان وإعماره كما يقول الدكتور أحمد الناصير: ” يفترض إنشاء جيل قادر على إعادة الإعمار، وعملية إعادة الإعمار لا تحتاج إلى أموال بقدر ما تحتاج إلى إرادة وشعب قادر على البناء”.
الآنسة ميادة وهي معلمة أضحت مدرستها مدمرة وطلابها مشردين رأت أن الضرورة القصوى هي في إعادة تأهيل قطاع التعليم الذي لحق به الكثير من الدمار وقالت لـ”الغربال”: ” لا يخفى على أحد ما لحق بقطاع التعليم من أضرار طيلة السنوات الماضية، المدارس كانت وما زالت هدفاً لطائرات نظام الأسد وقذائفه، ومن المؤسف أن المنظمات تتجاهل قطاع التعليم في معظم الأحيان، علينا أن ننقذ أبناءنا وأن ننشئ جيلاً قادراً على بناء الوطن في المستقبل”.
الأبناء أولى بالبناء:
إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب هو حلم كل السوريين، ولكن هذا في الوقت ذاته يثير مخاوفهم، فهم يخشون أن يصبح بلدهم قطعة تتقاسمها الشركات والحكومات الأجنبية بحجة إعادة الإعمار.
الناشط الإعلامي سامح اليوسف مثل كثير من الشباب السوريين لم يستطع أن يخفي خشيته من هذا الأمر وتحدّث لـ”الغربال” قائلاً: ” بغض النظر أنه سيتم هذا الإعمار أم لا، أنا أتمنى أن يكون هذا الإعمار سوريّاً خالصاً دون مساعدات خارجية تحوّل الوطن إلى أراضي إيجار للدول الأجنبية”.
لكن اليوسف لا يرى مانعاً في الاستعانة بالدول العربية أو حتى الأجنبية ولكن بشروط وتابع حديثه قائلاً “لا مانع من الاستثمارات العربية وحتى الأجنبية، ولكن بشروط تحول دون توغّل تلك الدول واستملاكها للأراضي والاقتصاد الذي بدوره سيفضي إلى تبعية سياسيةـ فالاستثمار المشروط لا مانع فيه أبداً، والأولى من كل ذلك رؤوس الأموال السوريا التي يجب أن يكون لها دور مهم في بناء الوطن من جديد”.
جابر زكريا صحفي سوري ينظر من المهجر إلى بلده بعين التفاؤل، بلده الذي سيبنيه شبابه الأكفاء. فيقول متحدثاً لـ”الغربال”: ” ستنتهي الحرب في سوريا بانتهاء مسببها الحقيقي وهو بشار الأسد والزمرة الحاكمة، وأتطلّع إلى إعادة إعمار بلدي من قبل شبابها الأكفاء الذين اكتسبوا خبرات عميقة سواء من الذين بقوا داخل البلد أو الذين غادروها لاجئين، لأن كلا الطرفين اكتسب مهارات وخبرة كبيرة تعلمها من خلال الحرب”.
مدنيون وعسكريون، مقيمون ولاجئون، يتطلع السوريون إلى ذلك اليوم الذي يتوقف فيه الحرب ويتوقف معها الموت والدمار، ليبنوا بسواعدهم وكفاءاتهم وطنهم الذي ثاروا من أجله.
إعادة إعمار البنية التحتية بعد الحرب العالمية الثانية (اعداد أغيد خضر)
أجريت مقابلة مع البروفيسور جيفري ديفندورف الذي كتب العديد من الكتب حول إعادة إعمار كل من ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. بحث البروفيسور الدور الأساسي الذي لعبه التخطيط في إعادة بناء المجتمعات بعد الصراعات، وتم سؤاله خلال المقابلة متى بدأ التفكير في إعادة الإعمار في ألمانيا؟ فأجاب: ” في الحقيقة بدأ التفكير في ذلك مبكراً ومن أحد مسببات هذا هو رغبة أدولف هتلر بتطوير الكثير من المدن حتى قبل بدء الحرب، حيث أراد فتح أماكن واسعة في المدن للمظاهرات السياسية. أراد رؤية مدن محدثة بشوارع عريضة للسيارات وأبنية ناطحة للسحاب.
لهذا السبب بدأ المخططون بالتفكير بهذه الأمور من قبل الحرب، ليس فقط في برلين وإنما في هامبورغ ومدن أخرى. ظن المخططون مع بداً القصف أن ذلك سيسمح لهم بتطبيق خطط تحديث المدن بشكل أسهل غير أن هذا لم ينجح. أعربت المدن بعد القصف عن حاجتها للمخططين للمساعدة في إعادة الإعمار غير أن السكان لم يريدوا أولئك الداعمين للفكر النازي.
لم يريدوا أن يخبرهم مخططون من مدن أخرى عن كيفية إعمار مدنهم”. ويتابع “استطاع الألمان بعد الحرب أيضاً إيجاد طرق لتنظيم شؤونهم والعمل بشكل سريع نسبياً. تم تنظيم أعداد هائلة من النساء لإزالة الركام. العديد من الرجال قتلوا أو كانوا سجناء حرب”.
وانعكست فعالية المعجزة الاقتصادية على الوضع الخدمي واعادة إعمار البنى التحتية. فلم تكن الجمهورية الاتحادية بحاجة إلى جيش حتى عام 1955، مما أدى لوجود عدد كبير من الأيدي العاملة المُدربة والمؤهلة بشكل جيد وعندما بدء العمل على إعادة بناء محطات الإنتاج المدمرة، تم استغلال هذه اليد العملة لتنتج أعمال على أعلى المستويات.
وأدت التطورات التي حدثت على الساحة العالمية إلى أن جمهورية ألمانيا الاتحادية أصبحت شريكًا للقوى المنتصرة بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية ثم حليفًا مهمًا لهم.
التعليقات متوقفه