مؤسسات الحكم المحلي بسوريا.. خطوات متسارعة للنجاح ــ وسيم عيناوي
اتّساع رقعة المناطق المحرّرة وازدياد عدد البلدات الخارجة عن سيطرة النظام والمحرومة من خدماته في أواخر عام 2012، دفع كافة الفعاليات الثورية المدنية لتشكيل مؤسسات حكم محلي بمؤسساتها الخدمية والأمنية، وذلك سعيا لملء الفراغ الحاصل بسبب غياب مؤسسات النظام وانتشار الفوضى الحاصلة بعد عمليات التحرير.
ولطالما تقاس جدوى الحكومات بحجم الخدمات التي تقدمها لشعوبها، ولكن في الحالة السورية للمناطق المحررة كان الأمر مختلفا، إذ كانت خطوات الانطلاق الأولى لتشكيل الحكم المحلي نابعة من منطلق الحاجة لا الميزة والسلطة في حكم المحرر، إلا أن ذلك تطور في المناطق شبه المستقرة والبعيدة عن أيادي قوات النظام، ليصبح الحكم المحلي موضع تقييم من الأهالي ويقبل دعمهم في حال النجاح وضغطهم المؤدي للتغيير في حالات الفشل.
مجالس محلية عوضا عن مؤسسات النظام
وفي هذا السياق يقول المهندس يوسف العباس رئيس المجلس المحلي الحالي لبلدة معصران في وسط محافظة ادلب، في حديث خاص للغربال:” بالتزامن مع بدء استقرار بلدات ادلب بعد تحررها وجدنا حاجة كبيرة في تعويض غياب سلطة الدولة في مناطقنا المحررة وذلك لتسيير المرافق المدنية التي شلّتها غياب السلطة وتوقف عمل مؤسسات الدولة المدنية, وقد كانت انطلاقتنا على مستوى البلدات والقرى ومع التطلع التطلّع لاستمرارية وتوسيع هذا العمل ليشمل المحافظة كاملة ومن ثم كامل الساحة السورية بالتزامن مع عمليات التحرير التي كانت مستمرة بتسارع كبير في تلك الأيام وذلك تمهيدا لعودة استقرار الأهالي في تلك المناطق وتأمين جو مناسب لإعادة الأهالي النازحين إليها.”
ويضيف العباس:” انطلق المجلس المحلي لمعصران للمرة الأولى في الأول من شهر تشرين ثاني عام 2012، وفي بادئ الأمر كان العمل تطوعا ومبادرة ممن وجدوا في نفسهم الكفاءة لتقديم بعض الخدمات لأهاليهم في البلدة، ولكن لم يتأخر تبلور فكرة عمل المجلس حتى أصبح التقدم للعمل في المجلس كأي حكومة مصغرة مبني على التقدم بالسيرة الذاتية واختيار أهل الخبرة والكفاءة من قبل مجلس شورى يمثل معظم أهالي البلدة والفعاليات فيها، ويستمر دور المجلس لمدة عام كامل، ولا يحق له العمل لعام آخر إلا في حال إجماع أصحاب القرار على ذلك بناءً على النظام الداخلي للمجلس.
نجاحات وتحديات
ويشير يوسف” تواجه المجالس المحلية على مستوى سوريا تحديات كبيرة تم تجاوز بعضها ولكن تبقى بعض التحديات بحاجة لحلول لا تتوفر إلا في حال توقف الحرب في سوريا، ففي بداية تشكيل المجالس كانت خبراتنا محدودة في المجال التنظيمي واحتجنا لفترة حتى تبلورت الفكرة لدى المعنيين بالعمل المدني بالإضافة لافتقادنا للكوادر الكافية في ظل النزوح الحاصل بسبب القصف والمعارك، ويضاف لهذا الأمر فقداننا لمصادر التمويل المستمرة والتي تعتبر عاملا أساسيا لنجاح أي مجلس واستمراره في العمل، وقد كان هناك تعويض عن استمرارية التمويل من خلال الدعم المقدم من قبل المنظمات الدولية، ولكن تبقى إشكالية الوضع الأمني هي الهاجس بالنسبة لهذه المنظمات، والتي تتوقف عن العمل مباشرة في حال سوء الأحوال الميدانية ولا تستطيع الاستمرار في العمل مالم يتحسن الوضع الأمني ليكون ضمانا لسلامة كوادرها.”
ويختم عباس” يقدم المجلس المحلي في معصران خدماته في مجالات عديدة كالمجال الطبي والتعليمي وتأمين المياه وحتى المجال الأمني بالتنسيق مع الشرطة الحرة في البلدة، ولكن نحن نسعى بشكل دائم لتطوير خدماتنا وتوسيعها بحيث تصبح بالشكل الأمثل، الذي يلائم تطلعات أبناء البلدة، ونأمل بشكل أساسي مستقبلا عندما تتحسن الأمور الأمنية أن نصل لاختيار ممثلي أهالي البلدة في المجلس من خلال صندوق اقتراع يصوت فيه كل الأهالي لاختيار من يرون فيهم الكفاءة لهذا المجلس لنصل لأعلى درجات الشفافية في العمل.”
شرطة حرة في المناطق المحررة
وعلى صعيد الأجهزة الأمنية البديلة، كان للغربال حديث مع المساعد أول إبراهيم العزو رئيس مركز شرطة معصران الحرة والذي يقول:” الفراغ الأمني الكبير الذي لمسناه بعد التحرر والعدد الكبير لعناصر الشرطة المنشقة والتي تسعى لتقديم شيء لأهلها بدل الاكتفاء بما يحصل، دفع المبادرين من منشقي الشرطة للبدء بتشكيل مخافر شرطة حرة في بعض من بلدات سوريا المحررة، والتي كان أكثرها في ادلب لتحررها في وقت أبكر، وفي معصران على وجه الخصوص تشكل مخفرها الثوري في أواخر عام 2013 بكادر مكون من 33 شرطيا منشقا عن النظام.”
ويضيف العزو:” التجربة الناجحة للمخافر الثورية الأولية دفع القائمين عليها لتعميم التجربة على باقي البلدات المحررة، لتصل في إدلب وحدها إلى 30 مخفرا عملت بشكل طوعي لفترة طويلة إلى أن تمكنت قيادة ادلب من تأمين المعدات الأساسية اللازمة ورواتب لمعظم الكوادر العاملة، وقد كانت الفكرة الأولى من المخافر الثورية هي ملء الفراغ الأمني الحاصل في القرى والبلدات بأي وسائل متاحة والحد من الفوضى المنتشرة، بسبب غياب شرطة النظام، ليصل الأمر في الوقت الحالي لتكون الشرطة الحرة هي الذراع التنفيذية للمؤسسات المدنية وتكمّل نظام الحكم المحلي الحالي في المناطق المحررة، ويتجسد ذلك بالتنسيق الدائم والمستمر مع مجلس الشورى والمجلس المحلي وعقد اجتماعات دورية، إضافة لمشاركة كافة الفعاليات المدنية في نشاطاتها لضمان السلامة الأمنية للعاملين والمواطنين في تلك الأثناء.”
ويشير العزو إلى ” أن الشرطة الحرة تقوم حاليا باستقبال الشكاوى على مدار الساعة ومعالجتها مع المحاكم المختصة العاملة في المناطق المحررة وفض النزاعات وتسيير الدوريات الليلية والنهارية، حفاظاً على الممتلكات العامة والخاصة في البلدة والقرى والمزارع المحيطة بها وملاحقة المشبوهين وأصحاب السوابق ومراقبة الأسواق وتحقيق الأمن والسلامة للمواطنين والنازحين، خاصة بعد ازدياد عدد النازحين الوافدين للبلدة الأمر الذي تسبب إلى أزمة مرورية وازدياد حركة التسوق ضمن شوارع البلدة ما تطلّب جهدا إضافيا من الشرطة في تنظيم السير والمرور، إلا أن الشرطة تواجه تحديات كبيرة أيضا في عملها بسبب انقطاع الاتصالات وعدم وجود منظومة إسعاف ودفاع مدني في البلدة تساعد في سرعة استجابة الشرطة وتحسين أدائها.”
أداء متنامٍ
أبو أحمد وهو أحد المدرسين في بلدة معصران يصف الخدمات التي تقدمها مؤسسات الحكم المحلي في بلدته وخاصة المجلس المحلي والشرطة بالجيدة جدا، ولكنها تحتاج للتطوير في بعض النواحي, فعلى سبيل المثال استطاع المجلس المحلي تأمين المياه للأهالي من خلال شبكة مياه داخلية وحل هذه المعضلة المستعصية في معصران بالإضافة لخدمات المستوصف الطبية في البلدة وتنظيم حركة المرور في السوق الرئيسي والطرقات الرئيسية وافتتاح مكتب شكاوي لأهالي البلدة، ولكن تحتاج البلدة لتجديد شبكة الصرف الصحي وصيانتها بسبب الأعطال الكبيرة فيها، إضافة للبطء في الاستجابة لإطفاء الحرائق الحاصلة وعدم وجود سجل مدني يوثق حالات الولادة والوفاة في البلدة، ولكن نحن ندرك كليا أن ذلك بسبب ضعف الإمكانات والدعم المقدم لبلدتنا، بناءً على التقارير والكشوفات الدورية التي تنشر على صفحات المجلس المحلي والشرطة الحرة لما تم استلامه وصرفه على الخدمات التي تم تقديمها الأهالي في البلدة.”
ومن الأدوار الهامة التي تؤديها المجالس المحلية في أوقات غياب سلطة الدولة، الحفاظ على المستندات والوثائق الهامة من الضياع. تم ذلك خلال الحرب العالمية الثانية، حيث عُممت فكرة المجالس المحلية ومجموعات العمل البديلة عن مؤسسات الدولة وأخذت بالانتشار في عدد من المدن الاوربية, وتطور عمل هذه المجموعات وتوسع بشكل كبير عما كان عليه, فأصبحت هذه المجموعات تصب اهتمامها على كل ما يخدم المجتمع في جميع المجالات. وكان لهذه المجموعات دور كبير لاحقاً في تزويد الجمعية العامة للأمم المتحدة بوثائق هامة استطاعوا الحفاظ عليها من الضياع والسرقة خلال حالة الفلتان الأمني التي عانت منه كثير من المدن الألمانية بعد سيطرة الجيش الروسي على أجزاء واسعة من ألمانيا. وتعد هذه المجموعات هي النواة الأساسية لما يعرف اليوم باسم منظمات المجتمع المدني NGO” ” .
التعليقات متوقفه