حسن الحسون وكارثة الفقد الجماعي – لقاء: فريق التحرير
حسن الحسون وكارثة الفقد الجماعي
لقاء: فريق التحرير
في سورية تكفي للموت بضع لحظات تغيب فيها ليأخذ أحباءك دون رحمة، ويترك لك بضع بقايا وأشلاء من بعضهم، لتبكي عليها وتخرجها في موكب مهيب، مودّعاً إياها داخل قبر تزوره كلما شق عليك غيابهم، أو لاحت لك ذكراهم.
بعد نزوح العديد من سكان كنصفرة واستقرارهم في مخيمات اللجوء في الداخل والخارج، سلَّم حسن الحسون لأمر الله وبقي في بلدته، مكتفياً بالهروب لأطراف البلدة أو حتى الاختباء في أماكن بدا لأطفاله أنها آمنة من قصف الطائرات، رغم أن منطقتهم كانت هدفاً دائماً لبراميل النظام، ففي العشر الأول من ذي الحجة وقبيل عيد الأضحى الماضي، وبعد أن أمضت عائلته يومها تشتري الثياب وتقيسها استعداداً للعيد، حيث فضّلت الأم اختيار ثياب أكبر من قياس أطفالها، فغداً سيكبرون! ثم استجابت لحث الوالد لهم على الإسراع فعليهم إعداد الإفطار، إذ إن أمّه ستشاركهم إفطارهم المبارك.
جلست العائلة في مساء يوم الجمعة تنتظر أذان المغرب، صاحت الأم بأطفالها أن ابتعدوا لتتركوا مكاناً لأبيكم، الذي رفض الجلوس وفضّل الصلاة بالغرفة المجاورة، هي بضع لقيمات لم تكد تبلُّ حلوقهم الغضة، كانت آخر لقيمات لهم في دنيانا، رمت المروحية برميلاً حاقداً، أفزع الوالد في الغرفة المجاورة، فخرج ملهوفاً يتلمّس طريقه بيديه محاولاً الوصول لأي شيء ساخن قد يكون أحد أطفاله أو جزءاً من أحدهم، فالغبار كان يحجب الرؤيا، وتكبير ابنه إبراهيم ذي الاثني عشر عاماً أفهمه أنه الناجي الوحيد من العائلة!
حاول حسن الوصول لابنه وإنقاذه، وتم إسعافه ثم لحقه حسن إلى المستشفى، لم يحتمل جسد الصغير المثخن بالشظايا العمليات اللازمة لإخراجها، والتحق بعائلته شهيداً في اليوم التالي! لم يحضر حسن جنازة العائلة، ولم يرَها قبل الدفن، إذ بقي مع إبراهيم الذي وجد صعوبة في التعرف إليه، لوجود ثلاثة أطفال في غرفة العمليات، غابت ملامحهم تحت الغبار والحروق وفتحت أجسادهم لإجراء عمليات إخراج الشظايا، فاستعان بأستاذه في الجامع، الذي لبّى نداء الوالد الذي غابت الكثير من تفاصيل ذلك اليوم عن ذاكرته، إلا أنه تذكّر أنه قصّ شعر ابنه قبل يوم، وبهذا تعرّف حسن على ابنه إبراهيم الذي لم ير مساء اليوم التالي!
صلى إبراهيم ركعتي شكر لله! ودفن ابنه إبراهيم في المساء بعد أن تقاطر أهل البلدة لمواساته.
فقد حسن عائلته كلها، والمؤلّفة من زوجته ماجدة الأمين وابنته آية (عملت هيي وأمّها دورة إسعافات أولية لإسعاف المصابين من القصف) يتذكر حسن ودموعه تنهال بسخاء، وإبراهيم الذي أعطاه أملاً بالبقاء ليؤنسه في حياته ثم رحل تاركاً الأب وحيداً، وعبد الرزاق ذا السبع سنين، وأسامة (آخر العنقود وكان هوي مدلل حالو)، وأمّه شمّا المرعي التي كثيراً ما دعت (يا رب من وقعتي لحفرتي)، وكانت قد أوصت أن تدفن بثيابها، وكان لها ما أرادت!
يعيش اليوم حسن في منزل والدته الطيني القديم، ويهتمّ به إخوته، يحتسب أمره لله وهو راضٍ بما قسمه، ويعزيه في مصابه أنه ليس وحيداً، فهو ليس الضحية الأولى لبراميل الموت العشوائية، ولن يكون الأخيرة كما يبدو، وأن عائلته استشهدت في أيام فضيلة وهي صائمة في العشر الأوائل من ذي الحجة في يوم الجمعة، ولأهل بلدته الأفاضل كما يقول، يد كريمة في مواساته في مصابه…
التعليقات متوقفه