الصعاب تهون لأجل بيت الأسد – خطيب بدلة
الصعاب تهون لأجل بيت الأسد
خطيب بدلة
كانت العادة المتبعة في سوريا، حينما يطرأ في البلاد أمرٌ جلل، أن يجتمع أساطين الأسرة الحاكمة (الأسد وشاليش ومخلوف) مع الحلقة العليا من قيادات الأجهزة الأمنية وقادة الفرق والألوية العسكرية المهمة…
وبعد التداول في الأمر الطارئ، يتوصلون إلى اتخاذ قرار ما… وعلى الفور يُبَلَّغُ القرارُ للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولقيادة الجبهة الوطنية التقدمية، ولقادة المنظمات الشعبية، وهذه الجهات بدورها تصدرُ أوامرها إلى الحكومة، ومجلس الشعب، وأجهزة الدولة المدنية التي تنفذها صاغرة، وعظامُها ترتجف من شدة الهلع..، وأما المخبرون والعواينية أمثال «أبو كفاح» و«أبو خالد الخضر» فيقومون بواجبهم في إيذاء الناس دون أن يطلب منهم أحد ذلك.
ومن الحكايات الرهيبة التي جرى تداولها -سراً- في سوريا أن حافظ الأسد قد توفي، فعلياً، في اليوم السابع من حزيران «يوليه» 2000، فأوعزت الحلقةُ الحاكمة العليا إلى من يهمهم الأمر بأن «يَسُوقوا» الجماهيرَ الكادحة، في اليوم التالي، إلى منطقة القرداحة «زُمَراً»، شريطة ألا يدخلوها، بل يُطلب منهم أن يعسكروا حولها، تحت أشعة الشمس الحارقة، ويناموا، إذا نزلَ الليلُ البهيم على الكون، في العراء، أو في الغابات القريبة من البلدة، إضافة إلى أن المفروض أن يبقوا جاهلين بالسبب الذي جيء بهم إلى هذا المكان من أجله..
وقد روى لي أحدُ الذين «سيقوا» إلى هناك في إحدى الزمر أن الحشود الغفيرة التي عسكرت حوالي «القرداحة» كانت تجتاحُ الدكاكين الصغيرة الموجودة في أطراف البلدة، وتشتري منها أيَّ شيء قابل لأنْ يُؤكل، لأنَّ الجهات التي أمرت بـ «سَوْقهم» إلى هذا المكان، قد نسيتهم من دون طعام، للأسف.
وعلى إثر إعلان وفاة حافظ الأسد، رسمياً في صبيحة العاشر من حزيران 2000، بدأ المسؤولون الصغار المنتشرون في كافة أنحاء سوريا «يتفنّنون» في ابتكار الأساليب التي تعبر عن عميق حزنهم على هذا القائد التاريخي!.. وعاد بعضُهم إلى قوائم الدوائر الحكومية والمنشآت الصناعية والتجارية والزراعية التي لم تكن قد سميت باسمه أو باسم ابنه الرائد الركن المظلي باسل الأسد الذي «استشهد» وهو يقود سيارته على طريق المطار بسرعة 280 كيلومتر في الساعة، نكاية بالإمبريالية والاستعمار! وأطلقوا عليها اسمه.
ومن أكثر الأشياء ظرفاً، وغرابة، وعجباً، وإدهاشاً، وإجهاشاً، هي أن أمين رابطة «شبيبة الثورة» بمدينة عفرين، بمجرد ما تلقى الخبر الفاجع، بدأ بتسيير المئات من طلاب المدارس على الأقدام وهم يرتدون اللباس الأسود حداداً على قائدهم المُلهم، فكانت تلك، برأيي، من أكثر التصرفات ديماغوجية وحقارة في عصر الاستبداد الأسدي، لأن الفتية المساكين كانوا يذوقون الأَمَرّين من آلام المشي، وورم الأقدام، والتعرّق، وروائح الآباط والجوارب، فالطريق إلى القرداحة كانت تستغرق بضعة أيام… وكان أمناءُ الشعب الحزبية والروابط الشبيبية في محافظتي إدلب واللاذقية يؤمنون لهم المنامة في المدارس، ضمن شروط أقل ما يقال عنها إنها «لا إنسانية».
السؤال المهم الآن: أما آن لهذا العصر الكئيب أن ينتهي؟!
التعليقات متوقفه