القصة الكاملة للواء شهداء بدر وقائده خالد حياني – رامي سويد
يسيطر لواء شهداء بدر التابع للفرقة السادسة عشرة من الجيش السوري الحر على أحياء بني زيد والسكن الشبابي، وأجزاء من أحياء بستان الباشا والأشرفية والخالدية والليرمون في القسم الشمالي من مدينة حلب، يعتبر اللواء أيضاً القوة الكبرى المسيطرة على بلدات حيان ومعرستا خان في ريف حلب الشمالي.
تم تأسيس لواء شهداء بدر في صيف عام 2012 بعد تحرير الثوار لعموم مناطق ريف حلب الشمالي، حيث قامت مجموعة من شباب بلدة حيان بتحويل كتيبة المهام الخاصة التابعة للواء أحرار عندان “الذي سُمّي فيما بعد بلواء أحرار سوريا” إلى لواء مستقل، يقوده خالد سراج علي وهو معروف باسم خالد الحيّاني نسبةً إلى بلدته حيّان والذي قضى برصاص قناص قوات النظام مؤخرا على جبهة القتال قرب مشفى شيحان في حي الخالدية.
في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012 قرّر “حج خالد كما يسميّه أتباعه” دخول حي البني زيد شمال حلب، بدأت عناصر اللواء بالوفود إلى الحي والانتشار فيه ووضع الحواجز والمتاريس مع انسحاب عناصر من مقاتلي قوات حماية الشعب الكردي YPG من المنطقة دون تسجيل احتكاك يذكر بين الطرفين، وبعد ذلك بدأ “حج خالد” يسعى لتوسيع سيطرته، فهاجم حواجز ومقرات لجان الحماية الشعبية “الشبيحة” ليتمكن لواؤه بعد اشتباكات عنيفة معها من السيطرة على منطقة السكن الشبابي وعلى أجزاء من حيي الأشرفية والليرمون.
في المرحلة التالية لسيطرة لواء شهداء بدر على أجزاء واسعة من المنطقة الشمالية من مدينة حلب، بدأ بشن حملة اعتقالات شملت مئات التابعين لأجهزة الأمن والشرطة والمتعاونين معهم. في الغالب كانت تتم عملية الاعتقال بيسر، ليتم نقل المعتقل بعدها إلى مباني حولها عناصر اللواء لمعتقلات في منطقة “معامل البني زيد” ليتم التحقيق مع المعتقل هناك باستخدام أساليب تعذيب قاسية جداً دفعت عناصر اللواء إلى تسمية هذه المباني بالفروع “101” و “102” و”103″ تشبيهاً لها بفروع الأمن التابعة للنظام السوري.
بعد التحقيق مع المعتقل، كان يتم في الغالب إطلاق سراحه مقابل فدية ضخمة وفي حالات قليلة كان تتم تصفية المعتقل إذا كان قيادياً في اللجان الشعبية أو مرتكباً لاعتداء مباشر على أحد أفراد عائلات حيّان التي تسكن الأحياء التي يسيطر عليها لواء شهداء بدر.
توسعت فيما بعد عمليات الاعتقال والخطف التي يقوم بها عناصر اللواء لتشمل عشرات المدنيين من سكان هذه الأحياء بالإضافة إلى أعداد من المدنيين الذين كان يتم اعتقالهم على حاجز “الكاستلو” الذي وضعه لواء شهداء بدر على المدخل الشمالي من مدينة حلب، في الغالب كانت تتم عمليات الاعتقال والخطف في المرحلة اللاحقة بهدف الحصول على فدية مالية حيث كان يتم اعتقال الشبان المارين على حاجز “الكاستلو” وفق معطيات منها أن يكون عنوان الشاب المسجل على هويته الشخصية في مناطق الفرقان أو الشهباء أو الأندلس أو الزهراء في حلب المعروفة بثراء أهلها.
مع نهاية عام 2012 اشتدت وتيرة القصف العشوائي بقذائف الهاون والمدفعية على الأحياء التي يسيطر عليها لواء شهداء بدر الأمر الذي أدى مع عمليات الخطف والمضايقات للسكان التي كان يقوم بها عناصر اللواء إلى نزوح معظم السكان من هذه المنطقة، لتبدأ بعد ذلك عمليات السرقة المنظمة للمنازل والورشات والمحلات والمستودعات التي تركها أصحابها، بالإضافة إلى عمليات سرقة منظمة لمئات المعامل والورشات في مناطق الليرمون والشقيف والبني زيد الصناعية بالاشتراك بين لواء شهداء بدر ولواء أحرار سوريا المسيطرين على المنطقة.
ساءت سمعة لواء شهداء بدر كثيراً في الفترة اللاحقة نتيجة عمليات السرقة والخطف، حتى أن أي عملية سرقة أو خطف كانت تقع في مدينة حلب في تلك الفترة كانت تنسب لعناصر اللواء، نتيجة لذلك قرر “حج خالد” فتح جبهة الأشرفية من جديد، في الغالب بهدف التغطية على السمعة السيئة التي بدأ يشتهر بها مع عناصر لوائه، فقام بحشد المئات من مقاتليه على جبهة الأشرفية ليقوم في يوم ذكرى انطلاق الثورة منتصف شهر آذار من عام 2013 باقتحام المناطق التي تتمترس بها قوات النظام في الحي، ويتمكن من السيطرة على مخفر الأشرفية وجامع صلاح الدين ومنطقة الدوار الثاني لأول مرة، لتعود بعدها الأوضاع على جبهات القتال التي ينتشر عليها عناصر اللواء “الأشرفية والخالدية وأجزاء من الليرمون” إلى الهدوء النسبي مع قصف متبادل واشتباكات متقطعة بين الحين والآخر، ليكرر حج خالد العملية نفسها في العام الماضي ثلاث مرات.
في نهاية شهر نيسان عام 2013 قام “حج خالد” بفتح جبهة جديدة حيث أمر عناصره بشن هجوم واسع على مقرات وحدات حماية الشعب الكردي YPG وحواجزها التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، والمنتشرة في حي الشيخ مقصود غربي، المجاور لمناطق سيطرته، فقام بالاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والآليات ومن ثم السيطرة على مستشفى ميداني تابع لهم، لتنتهي هذه العملية بصلح تضمن إطلاق سراح عشرات الأكراد الذين قام عناصر “حج خالد” بأسرهم مقابل تعهد وحدات حماية الشعب الكردي بعدم التعدي على عناصر لواء شهداء بدر.
بعد أشهر وإبان الحملة التي شنها تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” على ما سمي بكتائب الجيش الحر المسيئة، حصلت مشادة بين عناصر تابعين لتنظيم “داعش” وعناصر لواء شهداء بدر المتمركزين على حاجز الكاستلو في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، انتهت بطلب عناصر “داعش” لمؤازرة ضخمة، لتجري اشتباكات عنيفة تنتهي بسيطرة عناصر داعش على الحاجز وعلى منطقة مزارع الملاح القريبة، قبل أن يرد لواء شهداء بدر باستهداف حاجز الإنذارات التابع لتنظيم “داعش” ويتمكن من قتل أكثر من 30 عنصراً من عناصر التنظيم، الأمر الذي دفع عمر الشيشاني القائد العسكري لداعش إلى اتخاذ قرار باقتحام مناطق سيطرة لواء شهداء بدر في حلب والقضاء عليه بشكل كامل من خلال حشد أكثر من 500 مقاتل شمال أحياء السكن الشبابي والبني زيد والليرمون.
رداً على ذلك، قام “حج خالد” بالاتصال بقيادات قوات حماية الشعب الكردي المتواجدة في حي الشيخ مقصود وطلب منهم المؤازرة موصلاً إليهم رسالة مفادها إن انتصار تنظيم “داعش” على لواء شهداء بدر سيعني بدون شكّ انتقاله لقتالهم فوراً، استجابت وحدات حماية الشعب الكردي لطلب “حج خالد”، وتم إرسال خبراء في عمليات القنص التي يُشتهر بها مقاتلو قوات حماية الشعب الكردية لتغيير وترتيب أماكن تمركز القناصين التابعين للواء شهداء بدر على جبهة السكن الشبابي-الكاستلو التي حاول عناصر تنظيم داعش من خلالها دخول مناطق سيطرة لواء شهداء بدر عدة مرات انتهت جميعها بالفشل، نتيجة الخسائر البشرية والعسكرية الكبيرة التي تكبدها التنظيم، الأمر الذي دفع قيادة التنظيم إلى التوقف عن مهاجمة مناطق سيطرة لواء شهداء بدر ليسجل اللواء النصر الوحيد الذي حققته كتائب الثوار على تنظيم “داعش” قبل اندلاع المواجهة الشاملة بين الطرفين مع بداية العام الحالي.
حاولت قوات النظام استغلال الصدام بين لواء شهداء بدر وتنظيم “داعش” من خلال محاولة اقتحام مناطق سيطرة اللواء على جبهتي الخالدية والأشرفية، لكن العناصر التابعين لـ”حج خالد” تمكنوا بشكل متزامن من صد هجوم قوات النظام جنوباً مع صدهم لهجوم تنظيم داعش شمالاً، والرد بقوة على قوات النظام السوري من خلال القصف الكثيف لمعمل الغاز ومستودع الأخشاب والمشفى الفرنسي والمشفى اليوناني والتي تعتبر أكبر النقاط العسكرية التي تتمركز قوات النظام فيها في المنطقة المقابلة لمنطقة سيطرة لواء شهداء بدر.
إبان اندلاع المواجهة الشاملة بين عموم فصائل الثوار من جهة وتنظيم داعش من جهة ثانية مع بداية عام 2014، شارك عناصر شهداء بدر بقوة في المواجهات التي جرت في ريف حلب الشمالي، حيث قاتلوا لشهرين متواصلين تنظيم داعش الذي ركز قواته بعد انسحابه من مدينة حلب في منتصف كانون الثاني في العام الماضي في منطقتي حريتان وكفر حمرة لتصبح المنطقة الممتدة بين حيان وحريتان والتي تعتبر المنطقة التي تحوي الحاضنة الشعبية الأكبر للواء شهداء بدر؛ ساحة المواجهة الأبرز في ريف حلب الشمالي بين الثوار وتنظيم “داعش”، انتهت هذه المواجهات باضطرار تنظيم “داعش” للانسحاب من حريتان وكفر حمرة ومن ثم من ريف حلب الشمالي بالكامل بسبب الخسار الكبيرة التي تكبدها.
مؤخراً، قام عناصر لواء شهداء بدر بشن موجات واسعة من القصف العشوائي للمناطق السكنية التي يسيطر عليها النظام في مدينة حلب، ذلك بعد إنذار وجهه اللواء إلى سكان أحياء الجابرية والميدان وشارع تشرين والخالدية بضرورة إخلاء هذه الأحياء لأن قوات النظام تتمركز بها، وأدت عمليات القصف العشوائي التي قام بها لواء شهداء بدر إلى مقتل وإصابة العشرات من سكان هذه الأحياء بالإضافة إلى دمار واسع في الأبنية والسيارات المركونة في الطرقات.
بقي “حج خالد” يقود لواء شهداء بدر بعد ما يقارب ثلاث سنوات من تأسيس هذا التشكيل الأشهر في حلب، والذي يعتبره الكثيرون عالة على الثورة ومصدراً لسمعة سيئة ألصقت بالثوار عموماً، لكن عناصر اللواء وحاضنته الشعبية تعتبر أن اللواء بالرغم من تجاوزات عناصره يعتبر من القلة القليلة التي لم تنجر وراء إملاءات الدعم الخارجي وتغيير الرايات والشعارات وفقا لهذا الدعم.
الأمر الذي يتفق عليه الجميع أن استمرار تشكيل مسلح منذ انطلاق الثورة المسلحة إلى اليوم بل وتوسعه العام الماضي بتشكيل لواء الشهيد عبد القادر الصالح بقيادة محمد الحياني الأخ الأصغر لحج خالد “الملقب محمد رافع الراية” هو حالة خاصة بلواء شهداء بدر، خصوصاً مع محاربة هذا التشكيل لقوات النظام وتنظيم داعش معاً، وتسببه بسخط جميع السكان المحليين عليه بسبب عمليات السرقة والخطف والقصف العشوائي، لكن مقتل مؤسس اللواء وقائده مؤخرا يطرح التساؤلات حول مدى إمكانية استمرار اللواء في المرحلة القادمة، تساؤلات خفت حدتها بشكل كبير مؤخراً مع استمرار اللواء بالعمل بقيادة “عبد الخالق” الأخ الأصغر لـ “حج خالد”.
التعليقات متوقفه