الموت يحاصر “أحياء الصفيح” المنسية وسط حلب (ألبوم صور) – رامي سويد
على يمين الطريق من دوار القمر، على أطراف حلب القديمة، باتجاه حي المعادي قرب قلعة حلب، تقع منطقتا المُغر وكرم الأدهم، ومنطقة وداي العرائس والتي تقابل مباشرة حي الكلاسة وسط مدينة حلب، على يسار الطريق نفسه تقع منطقتا المغاير وتلة السودا.
تتصف منطقتا المُغر وكرم الأدهم بأنها كأحياء الصفيح التي لا تصلح لسكن البشر، فبيوتها المؤلفة من غرفة واحدة لا تقي أهلها حرّ الصيف ولا برد الشتاء، بيوتٌ خالية من مقومات الحياة، الحمامات غير صالحة للاستخدام البشري، بالإضافة إلى كونها خالية من المياه التي قد تنقطع لأسبوعين متتاليين، غرفة المنزل التي ينام فيها أهالي منطقتي المُغر وكرم الأدهم خالية من المفروشات، مَدّ أرضي بسيط كافي بالنسبة لهم لمواصل الحياة تحت حصار الموت.
لم ينتسب أبناء المنطقة الذين تبقى منهم اليوم نحو ألفين فقط إلى كتائب الجيش الحر التي لم تضع مقرات لها في حاراتهم المتهالكة، لم تستهدفهم البراميل المتفجرة التي دمرت الأحياء المحيطة بهم أيضاً، فهم على ما يبدو منسيون حتى بالنسبة لطيران الموت الذي أحال أحياء حلب خراباً.
الفقر حاصر من بقي أيضاً، كان سكان الحارات الثمانية التي تشكل بمجموعها منطقتي المُغر وكرم الأدهم يعتمدون في معيشتهم على السلل الإغاثية القليلة التي تقدمها المنظمات الإغاثية لهم، ويقوم من يعمل منهم بالعمل في صناعة الأحذية بمنطقة الصالحين القريبة، يعمل الواحد منهم لاثنتا عشرة ساعة يومياً مقابل ألف وخمسمئة ليرة سورية أسبوعياً، يعتمد عليها بشراء دواء يحتاجه أو استخدام هذا المبلغ الزهيد للحصول على نصف أمبير من الكهرباء من صاحب مولدة الكهرباء الذي يقدم لهم الأمبير الواحد مقابل ستمئة ليرة سورية في الأسبوع.
مؤخراً، حتى من كان يعمل من هؤلاء فقد عمله، فمع أزمة المحروقات التي ضربت حلب قام أغلب أصحاب ورش صناعة الأحذية بإغلاق ورشهم قبل أن يتوجهوا إلى تركيا، ليصبح من تبقى من عمال الأحذية الذين كانوا يعانون الاستغلال وعدم دفع أجورهم بلا عمل، وبالتالي فقدوا المبلغ البسيط الذي كانوا يتقاضوه أسبوعياً.
يقول لك أحد سكان هذه المنطقة، “اليوم لم نأكل، لم يكن لدينا خبز، غداً ربما يتوفر، لقد نام الأطفال بدون طعام”، الأطفال الذين قد يقضون يومهم بجلب الماء من مسافات طويلة بعبوات صغيرة إلى بيوت أهاليهم الخالية من كل شيء.
اعتاد أهالي المنطقة المنسية وسط حلب على الجوع والكرب، الرجال لم يحلقوا ذقونهم منذ زمن، أجسادهم هزيلة، نظراتهم شاردة، ربما لم يعوا بعد ما جرى حولهم وربما منع الجوع واليأس عقولهم من استيعاب ما جرى، مازالوا يتحاسبون يومياً على أساس ثلاثين ليرة أو خمسين فيما بينهم، مبالغ أصبحت غير ذات قيمة بالنسبة لباقي السوريين بعد انخفاض قيمة الليرة السورية، إلا أنها بالنسبة لهم ذات قيمة عالية، فهي كل ما يملكونه.
التعليقات متوقفه