طمع مستثمري “مولدات الاشتراك” يرهق جيوب السكان – عبد الغني العريان
أجبر الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي بسوريا السكان على البحث عن وسائل بديلة لتأمين الكهرباء، فبدأوا باستخدام البطاريات القابلة للشحن، ومن ثم انتقلوا إلى المولدات الصغيرة وانتهى بهم المطاف إلى المولدات الكبيرة التي انتشر استخدامها بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حتى أصبح يندر وجود تجمع سكني ليس فيه مولدة كبيرة يحصل السكان على الكهرباء منها عن طريق اشتراكات.
آلية الاشتراكات تكون على أساس قيام شخص في كل تجمع سكني بشراء المولدة وتأمين تشغيلها وتوفير الوقود والصيانة لها، ومد الكابلات اللازمة للبيوت، وذلك مقابل حصوله على مبلغ نقدي من كل بيت يتناسب مع حجم استهلاكه.
وظهرت هذه الخدمة أولاً في المناطق التي سيطر عليها الثوار، لتنتقل مؤخراً إلى المناطق التي بقيت تحت سيطرة قوات النظام، والتي تعاني هي الأخرى من انقطاع الكهرباء، وإن بدرجة أقل من تلك التي تحدث في مناطق الثوار.
مولدات الكهرباء الكبيرة بديل لشبكة الكهرباء العامة
“أبو طاهر” صاحب مولدة كهرباء كبيرة في ريف ادلب يقول للغربال: “مولدات الكهرباء جاءت لتلبية احتياجات الناس خاصة مع انقطاع شبه كامل للكهرباء، عدد البيوت التي يتم تخديمها يعتمد على استطاعة المولدة، لدي مولدة استطاعتها 300 كيلوفولت تعطي 1360 آمبير، تزود ما يقارب من 500 منزل بالكهرباء، وذلك حسب حاجة المنزل المستهلك”.
يتم وضع لوحات توزيع في رأس كل شارع في محيط مكان تواجد المولدة، كل لوحة تحوي على قواطع تفاضلية، بحيث يخصص كل قاطع لمنزل معين، ويمتد خط تغذية يعرف بالخط الساخن إلى اللوحة من المولدة، فيما يتم الحصول على الخط البارد من أعمدة الكهرباء، وتقدم مولدات الكهرباء “الأمبيرات” للمشتركين بمعدل سبع ساعات يومياً.
“علي الفرج” أحد المستفيدين من خدمة المولدات يقول للغربال: “لا يوجد بديل أمامي سوى الأمبيرات، فحتى الشواحن الكهربائية بحاجة للكهرباء لتشحن، والكهرباء أصبحت غير موجودة حالياً، لقد أصبح لدينا ميزانية خاصة للكهرباء إضافة لما نعانيه من غلاء في المعيشة، ولكن الحاجة أقوى من كل شيء، الظلام أعمى عيوننا، ونريد أن نحافظ على حد أدنى من الحياة الكريمة”.
أسعار كهرباء المولدات المرتفعة تضغط على السكان
يتفاوت سعر اشتراك الكهرباء “الأمبيرات” من منطقة الى أخرى بحسب وجود رقابة من المجالس المحلية أو من المحاكم الشرعية أو وجود مساعدات من الوقود مقدمة من المجالس المحلية والمنظمات العاملة في الداخل السوري، ففي مدينة “كفرنبل” بريف إدلب يتراوح سعر الاشتراك بالأمبير الواحد يومياً بين 45 و50 ليرة سورية وذلك بسبب حصول المجلس المحلي في المدينة على مولدات اشتراك من منظمة مهتمة بدعم المجالس المحلية أي أنهم لا يأخذون من المشترك سوى قيمة الوقود وأجور العمال وربح صغير لدعم المجلس المحلي، أما في مدينة “سلقين” ومدينة “حارم” فهناك اختلاف بالأسعار بين الأحياء ففي مدينة سلقين هناك مستثمرون ينافسون أصحاب المولدات القدامى، وتكون المنافسة بزيادة عدد ساعات التشغيل من سبع ساعات إلى تسع ساعات ومن ناحية بدلات الاشتراك فبدلاً من 75 ليرة سورية كبدل الاشتراك بالأمبير الواحد يأخذ المستثمر الجديد 60 ليرة فقط لاستدراج المشتركين إليه وحين اكتمال النصاب يقوم بتخفيض ساعات التشغيل إلى سبع ساعات ورفع سعر الاشتراك الى 75 ليرة.
لا يتوقف السكان عن التفكير في وسيلة ما لتوفير القليل من المال نظراً لارتفاع نفقاتهم، يعتبر من التقتهم الغربال أن أصحاب المولدات يقومون باستغلالهم، خاصة وأن هذه الاشتراكات هي الوسيلة الوحيدة لتزويدهم بالكهرباء.
إن التفاوت الكبير بأسعار الاشتراك بالمولدات يعود أيضاً إلى تحكم أصحابها الذين يحددون الأسعار متفلتين من رقابة من المحاكم الشرعية أو المجالس المحلية، ويحمل الأهالي في ريف إدلب الشمالي المؤسسات المسؤولة في مناطقهم وزر هذا الاستغلال والتفريق، ويتهمون القائمين عليها بالفساد والإهمال.
عضو أحد المجالس المحلية في ريف إدلب الشمالي يقول للغربال طالباً عدم ذكر اسمه: “يتهمنا البعض بالتقصير والإهمال، والبعض الأخر بالفساد، لأننا لا نستطيع توفير الكهرباء لهم على حد زعمهم، في الحقيقة نحن لا نسد حاجتهم، لكن ليس بسبب الإهمال أو الفساد كما يظنون، بل لعدة عوامل أهمها عدم قدرتنا على التحكم في أسعار الاشتراكات، وذلك لعدم توفر البديل لدينا لتأمين حاجة المواطن، فالجهات الداعمة للمجالس المحلية في الحكومة السورية المؤقتة لا تملك ميزانية التي تسمح بإنشاء هكذا مشاريع في القرى والمدن الخارجة عن سيطرة النظام”.
ورغم ذلك يبدو حديث المواطن عن ارتفاع سعر “الآمبير” مبرراً بسبب الفقر المدقع الذي دخل في متاهاته، لكن مستثمري المولدات لديهم مبررات أيضا لرفع الأسعار، أحد أصحاب المولدات الكهربائية في “سرمدا” يقول للغربال: “من الطبيعي أن تكون أسعار الأمبير مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الوقود “المازوت”، التي تشغل المحركات الخاصة بالمولدات، بالإضافة إلى ارتفاع سعر مجموعة المولدة، وهو ما يعتبر رأس مال يريد صاحبه الاستثمار به لتأمين معيشته مثل أي عمل آخر، وكذلك ارتفاع كلفة الصيانة وارتفاع أسعار قطع التبديل وأجور العمال، وبحساب بسيط تجد أن ما نكسبه يؤمن المعيشة بالحد الأدنى”.
وتسبب ارتفاع أسعار اشتراكات المولدات بارتفاع بأسعار منتجات أخرى يعتمد إنتاجها على الكهرباء الأمر الذي سيزيد بلا شك من العبء المالي على السكان، يقول
“أحمد” وهو صاحب ورشة خياطة في “سلقين” للغربال: “كل يوم أحتاج لـ 30 أمبير لتشغيل الآلات (75×30 = 2250 ليرة سورية)، علماً أن المولدة تعمل 7 ساعات يومياً، وهذا ما يزيد في التكلفة أكثر، لذلك أضطر إلى رفع أسعار البضاعة”.
مولدات الاشتراك مشروع تجاري رابح
يعد مشروع مولدات الاشتراك أحد أربح المشاريع التجارية في الشمال السوري حالياً بسبب حاجة الناس الماسة للكهرباء وطلبهم الدائم لها، يقول “محمد الأحمد” وهو أحد الموظفين المراقبين على أحد مشاريع مولدات الاشتراك للغربال: إن المولدة التي نشغلها تعتبر من المولدات المتوسطة حجماً بين المولدات المتواجدة في مدينة سلقين والتي تعطي ما يقارب 2000 أمبير، نحن يلزمنا لتشغيلها لمدة سبع ساعات يوميا ما يقارب 350 لتر مازوت ويبلغ سعر لتر المازوت الواحد من “معرة النعسان”، التي تعتبر السوق الوحيد لبيع الجملة للمحروقات، نحو 115 ليرة سورية أي أن قيمة المحروقات اليومية 40250 ليرة بالإضافة إلى أجر عامل مراقب يبلغ 1000 ليرة وأجر عامل صيانة كهربائية يبلغ 1000 ليرة وتكاليف صيانة تبلغ 8000 ليرة أي تكلفة التشغيل 50250 ليرة يومياً.
لكن بالمقابل نحن نكون قد اخذنا قيمة “2000 أمبير” من المشتركين، قيمة الأمبير الواحد “65 ل.س” أي أن مجموع قيمة الاشتراكات 130000 ليرة سورية، فيكون ناتج الربح يومياً 79750، وشهرياً 2392500 أي يمكن من ناتج الربح شهرياً شراء مولد كهربائي ثاني وفتح مشروع جديد كالمشروع الأول.
التعليقات متوقفه