ظروف الحرب تدفع السوريين لتعاطي “الحشيش” والأدوية المخدرة – عبد الغني العريان
انتشر تعاطي المخدرات في ريف ادلب بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث بات كثير من شبان المنطقة يعمد إلى تعاطي الأدوية المخدرة وإلى تدخين نبتة القنب الهندي المعروفة شعبياً باسم “الحشيش”.
وتصل الأدوية المخدرة إلى مناطق ريف إدلب بأسعار زهيدة جداً ليقوم تجارها بتغليفها ومن ثم يبيعها بأكثر من عشرة أضعاف ثمنها الأصلي، الأمر الذي يزيد في انحراف المتعاطي ويدفعه إلى محاولة الحصول على المال بطرق غير مشروعة كالسرقة أو الاحتيال لشراء المواد المخدرة التي يتعاطاها، ولا تخفى الأضرار الصحية الكبيرة الناتجة عن تعاطي الأدوية المخدرة وخاصة تلك التي تعرف منها بحبوب الهلوسة.
المواد المخدرة التي يتعاطاها المدمنون تشمل أيضاً “الحشيش” الذي انتشر تعاطيه مع انتشار زراعته بشكل واسع في مناطق الشمال السوري.
زراعة “الحشيش” أصبحت ظاهرة منتشرة
اشتهرت أفغانستان بزراعة نبتة القنب الهندي سابقاً لكن هذه الزراعة انتقلت مؤخرا إلى سوريا، في مناطق الشمال السوري البعيدة نسبياً عن ساحات المعارك، بدأت زراعة القنب الهندي، الذي يصنع منه الحشيش، تنتشر بحريّة، بعد أن وجدت أرضاً خصبة لها، وأيادي استغلت الفراغ الأمني فبدأت بممارسة هذه الزراعة بحثاً عن الثروة، وأياد أخرى وجدت في هذه الزراعة طريقاً لتمويل حروبها.
على طول الشريط الحدودي مع تركيا، والخارج عن سيطرة نظام الأسد، بدأ مزارعون ينتجون نبتة القنب الهندي، حيث تزرع في بقع موزعة بين القرى، من ريف حلب الشمالي الغربي، وصولاً إلى ريف إدلب.
لا توجد إحصاءات دقيقة عن المساحات التي باتت مزروعة بالقنّب، إلا أن أهالي من ريف إدلب الشمالي يؤكدون أن زراعة هذه النبتة بدأت تزدهر وتنمو بشكل مطرد.
ويقول “محمد” الذي يعيش في إحدى قرى ادلب للغربال: “على الرغم من معرفة الجميع أن القنب الهندي بدأ يُزرع وينتشر، إلا أن أحداً لا يجرؤ على الحديث عن الأمر خشية ملاحقته من ممولي هذه الزراعة”، ويضيف: “لا يفصح من يزرع القنب عن الجهة أو المجموعة التي تدعمهم، أو تقوم بتشغيلهم في زراعته، إلا أن تنامي هذه الزراعة يدلّ على أن الجماعة التي تدعمهم تتمتع بسلطة في هذه المنطقة”، مشيراً إلى أن “الأراضي في المناطق الحدودية مع تركيا تبدو مناسبة لزراعة هذه النبتة، إضافة إلى وجود شريط حدودي طويل، يساعد على تهريب المنتجات إلى خارج سوريا عبر تركيا، عدا عن توزيعها في الداخل السوري”.
ظروف الحرب هي السبب
يقول “ساري” للغربال شارحاً سبب تعاطيه الحشيش: ” كل الناس عم تحشش، بعد كل هذا الدمار والقتل، لا يمكن أن تحتمل مشاعر الإنسان الطبيعية هذا الواقع الأليم بلا حشيش”.
ويؤكد “ساري” أنه يعيش ظروفاً مادية ونفسية صعبة، وأنه لم يكن يتعاطى الحشيش سابقاً، إلا أن هذه الظروف دفعته إلى التعاطي بشكل يومي تقريباً، ويضيف بلغة عامية: “ليش في شي تاني نعمله أصلاً؟”.
فيما مضى، كان تأمين مادة الحشيش أمراً غاية في الصعوبة، أما اليوم فقد باتت هذه المادة متاحة للجميع، وأصبح الحصول عليها لا يتطلب عناءً كبيراً، والمروجون لها منتشرون في كل مكان.
“أبومفتاح” هو الاسم الذي يطلق على أحد موزعي الحشيش في ريف إدلب، “أبومفتاح” يقول للغربال: “في السابق كنت أتعامل مع مجموعة محددة من معارفي الذين أثق بهم، أما الآن فقد صار البيع عاماً وبت أتعامل حتى مع من لا أثق بهم، الأمر بات أكثر سهولة، لا يلاحقوننا كثيراً، الجميع مشغول بما هو أهم، كما أن الطلب على هذه المادة قد تضاعف في السنوات الأخيرة، وأصبح مستهلكوها متنوعون وينتمون إلى كل شرائح المجتمع”.
جهود قاصرة لمكافحة انتشار ظاهرة “التعاطي”
شنت تنظيم “جبهة النصرة” الذي يتمتع بنفوذ كبير في ريف إدلب، حملة على زراعة الحشيش في محافظة إدلب، فأطلق منذ بضعة أشهر حملة ضد زارعي القنب الهندي في قرية بتيا، بريف مدينة سلقين، شمالي إدلب، إثر تلقي “النصرة” شكوى من الأهالي تفيد بوجود أراض مزروعة بالحشيش في القرية، إضافة إلى مستودعات تخزن بها المادة المخدرة.
وقال أحد قادة الحملة للغربال: “قمنا بإحراق نحو 10 دونمات من الأراضي المزروعة بالقنب الهندي، وصادرنا ما يقارب 5 أطنان منه”، مشيرا أنهم أحالوا المتورطين بزراعة النبتة إلى الجهة القضائية المختصة في الجبهة لتتم محاكمهتم، وتعهد “بمواصلة الحملة وملاحقة كل من “يزرع المحرمات التي تضر بالدين والمجتمع”، مناشداً الأهالي “الإبلاغ عن أي أرض زراعية يشتبهون بزراعتها بنبته القنب الهندي التي يستخرج الحشيش منها”
بدوره يشير “جمال كردي”، أحد سكان منطقة عفرين بريف حلب إلى أن ظاهرة زراعة الحشيش انتشرت في منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة قوات “حماية الشعب” الكردية شمال غرب حلب، موضحاً أن “الوحدات الكردية تحاول منع انتشار هذه الزراعة وتفرض عقوبات من يقدم على زراعة القنب الهندي”.
ويوضح جمال: “انتشرت زراعة وإنتاج الحشيش في منطقة عفرين والنواحي التابعة لها، حيث تمّت زراعتها بكثافة وبشكل سري، قبل أن تقوم الوحدات الكردية التي تبسط سيطرتها على المنطقة بشن حملة للقضاء على هذه الزراعة، والتي انتهت بمصادرة وإتلاف نحو 200 طن من نبتة القنب الهندي، ومصادرة نحو 35 ألف حبة مخدرة”.
وفي حين يؤكد أن هذه المناطق لم تكن تشهد هذا النوع من الزراعة، يشير إلى أن “تجار الحروب، يقفون وراء تمويل زراعة وإنتاج الحشيش”.
تعاطي “الحشيش” والمواد المخدرة منتشر في كل سوريا
بات تعاطي “الحشيش” منتشراً على نطاق واسع، ليس فقط في الشمال السوري بل في دمشق وحلب مروراً بحمص، لم يعد تعاطي “الحشيش” مستهجناً كما في السابق ولم يعد “الحشيش” كمخدر صعب المنال كما كان معروفاً، يقول “عصام”، الشاب السوري المقيم في لبنان منذ سنتين، والذي يتردد دورياً على مدينة دمشق: “رأيت بأم عيني شخصاً يمكن اعتباره نافذاً يدخن علناً لفافة حشيش في مطعم معروف يقع ضمن منطقة باب توما بدمشق، الناس باتوا أكثر تساهلاً مع الموضوع، ربما هي حالة التوتر الدائم التي أصابت أفراد المجتمع السوري جراء الأحداث الدائرة في البلاد، وأيضاً أعلم كشاب أن كل ممنوع مرغوب، خاصة إن كان هذا الممنوع متوفراً بسعر معقول”.
انخفاض أسعار المواد المخدرة نسبيا ساهم باتساع انتشار تعاطيها فمقدار من الحشيش الجيد النوع من زنة تسمى في أوساط المتعاطين “نص ربع”، أي 125 غرام، يكلف نحو 50 دولار في ريف إدلب وفي لبنان، وسعره أرخص من ذلك في بعض مناطق ريف حلب، مما يزيد الإقبال عليه ويجعله مخدراً بديلاً أفضل من المخدرات الكيميائية الشعبية التي كانت رائجة في سورية كحبوب “كبتاغون” وشراب “سيمو”، في هذا السياق يقول “جوهر” وهو شاب سوري يتنقل بين لبنان وسوريا: “عرفت عبر أصدقاء عن صفقات تبادل بين مهربين من البلدين، فالمهرب السوري يأتي بالحبوب والشراب عن طرق عرسال أو وادي خالد غالباً، ليستبدلها بالحشيش من التاجر اللبناني، والعكس صحيح، التجارة أمست مزدهرةً جداً، مثلها مثل تجارة السلاح الذي يتدفق من لبنان إلى سوريا، يهربون الحشيش إلى سوريا، ويروجونه في الداخل اللبناني على نحو فاق المعدلات السابقة، إذ إن المجتمع السوري الشاب الناشئ في لبنان جراء اللجوء عرف الحشيش وتعلق بتعاطيه، باعتبار هذا التعاطي أمراً جديداً متوفراً يمكن له أن ينفس المتعاطي عن مشاعره السلبية من خلاله، خاصة مع غياب رقابة الأهل الذي بقوا في حالات كثيرة داخل سوريا”.
تعاطي الأدوية المخدرة منتشر أيضاً
يعاني معظم الصيادلة والأطباء من تردد المتعاطين والمدمنين عليهم بغية الحصول على هذه الأدوية أو الحصول على وصفة طبية لصرف الدواء لهم كون هذه الأدوية ممنوعة من الصرف بدون وصفات طبية نظامية ومصدقة صادرة عن طبيب بشري أو طبيب أسنان.
ويشير صيادلة يعملون في ريف إدلب إلى أن نسبة 80% تقريبا من الوصفات لا يتم صرفها من قبل الصيدليات بسبب صرفها سابقا، أو بسبب شكليتها الواضحة التي يستطيع الصيدلي كشفها، فلا يعقل أن تتم كتابة صنف واحد من هذه الأدوية ضمن وصفة طبية لوحده، أو أن تكون الأدوية الموصوفة متعارضة طبياً ولا يمكن استخدامها مع بعضها لنفس المريض.
وينتشر تعاطي الأدوية النفسية والمخدرة والإدمان عليها في مناطق الشمال السوري، أكثر من المخدرات المعروفة كالكوكائين والهيروئين، وذلك بسبب سهولة الحصول عليها غالبا وسهولة تعاطيها عبر الفم أو الحقن الوريدي والأهم من ذلك هو سعرها مقارنة بالأنواع المخدرة الأخرى فالمتعاطي يصل لمرحلة الشبق والنشوة بسهولة ويسر وبسعر زهيد.
ويشرح الصيدلي عارف الأسعد من ريف ادلب للغربال مخاطر إدمان الأدوية المخدرة قائلاً: “إدمان الدواء هو اضطراب نفسي أو جسدي ينتج عن خلل في مراكز معينة في الدماغ ينتج عنه اعتماد المدمن على الأدوية المخدرة، رغم أنه لا يحتاجها لأمور علاجية، بحيث يشعر المريض المدمن بالحاجة الملحة لتناول هذه الأدوية المخدرة، و يصبح غير قادر على العيش دون تناول هذه الأدوية بالرغم من الآثار الضارة التي قد تنشأ من الإدمان عليها فهي عبارة عن مواد كيميائية لها تأثير على الخلايا العصبية وقد تؤدي إلى خلل في عملها، كما أن لها العديد من التأثيرات الجانبية الغير مرغوبة”.
ويتحدث الأسعد عن أنواع الأدوية المخدرة النفسية التي ينتشر تعاطيها في سوريا قائلاً: “يطلب المتعاطون في الغالب منا أدوية البالتان (بنزوهكسول) وأوبرفال (ديازيبام) وبروكسيمول (دكستروبروكسيفين) وشرابات علاج السعال التي تحتوي الكودائين بشكل عام في تركيبها, والمورفين الذي تم استخراجه أول مرة منذ أكثر من مئتي عام من الأفيون الصرف ليتم استخدامه في المجالات الطبية وهو يعتبر من مسكنات الألم القوية والفعالة ولكن استعماله بشكل دائم يسبب الاعتياد وهي الحالة التي يطلق عليها طبياً اسم إدمان السموم، ويؤثر المورفين في أجهزة التنفس والدوران والهضم والجملة العصبية المركزية خاصة، ويعد المورفين العنصر الأساسي للتركيب الجزئي لمشتقاته: الكودائين والكوديتيلين والديامورفين”.
يتابع الأسعد “أما الكودائين الذي يشكل المادة الفعالة المسكنة للسعال في شرابات علاج السعال، فيستخرج من الأفيون على شكل بلورات لا لون لها ولا رائحة إلا أنه أقل سمية من الأفيون وتقدر الجرعة المميتة للبالغين بـواحد غرام ويستعمل بشكل أساسي ك مسكن ومهدئ للسعال, وذلك ما يجعله يدخل بنسب مختلفة في معظم شرابات علاج السعال”.
ويشير الأسعد في ختام حديثه إلى أن “أقراص الكودائين التي تتم حيازتها بطريقة غير شرعية حيث تتم سرقتها أو الحصول عليها باستعمال وصفات مزيفة أو مسروقة ويمكن للصيدلي كشف المتعاطي الذي يطلب هذه المواد المخدرة من خلال رجفان يديه وتضيق حدقة العين وعدم السيطرة على النفس وتشتت الأفكار والأفعال، ونحن نعاني بطبيعة الحال حاليا من عدم وجود مخابر متخصصة قادرة على الكشف عن المواد المخدرة في حال وجودها في الدم ومن عدم وجود مراكز طبية يمكن أن تساعد المتعاطين على الإقلاع عن إدمانهم على المواد المخدرة”.
التعليقات متوقفه