استهداف “نفط داعش” يحرم سكان حلب ولاجئي الداخل من المحروقات – محمود عبد الرحمن
كان هذا الشتاء أقل قسوة حتى الآن من الشتاء الماضي، إلا أنه كان أكثر قسوة على سكان حلب، الذين حُرموا من مصادر الطاقة التي يعتمدون عليها في التدفئة بسبب العدوان الروسي المستمر الذي تسبب بتدمير واسع في البنية التحتية بسوريا وتسبب بتدمير أعداد كبيرة من صهاريج المحروقات التي تنقل المحروقات من مناطق إنتاجها بمناطق سيطرة داعش شرق سوريا إلى المستهلكين في حلب، أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المحروقات بشكل كبير ومن ثم حرمان قطاعات واسعة من السكان من وقود التدفئة.
روسيا تحرم سكان حلب من مصادر الدفء
تعيش مدينة حلب بأكملها منذ نحو شهرين بدون كهرباء بسبب المواجهات العسكرية المستمرة بين قوات الثوار والمليشيات الأجنبية الموالية للنظام التي تحاول التقدم بريف حلب الجنوبي قرب بلدة الزربة التي تقع بها محطة الكهرباء الرئيسية التي يتم عبرها تحويل الكهرباء إلى حلب، حيث تسبب قصف الطيران الروسي على مناطق سيطرة الثوار في الزربة ومحيطها بتدمير نحو تسعة أبراج تمر عبرها خطوط الكهرباء وتضرر عدد آخر منها، كما تسببت غارة روسية نهاية شهر تشرين الأول بأضرار كبيرة في محطة الكهرباء نفسها، ليمنع استمرار القصف الروسي وتواصل المواجهات المسلحة في المنطقة ورش الإصلاح من التوجه إليها وذلك بحسب المديرية العامة للخدمات في مناطق سيطرة الثوار بحلب التي استبعدت وجود مخرج من هذا الوضع قبل توقف القصف الروسي اليومي على المنطقة.
ولم يكن انقطاع الكهرباء الأثر السلبي الوحيد على عموم سكان حلب وريفها نتيجة القصف الروسي المستمر، حيث تسببت الغارات الروسي المستمرة على صهاريج المحروقات التي تنقلها من مناطق سيطرة داعش حيث يستخرج النفط إلى مناطق سيطرة الثوار بحلب وريفها حيث يتم استهلاكه بارتفاع كبير بأسعار وقود التدفئة ما زاد الضغط على السكان في هذا الشتاء، حيث وصل سعر البرميل الواحد من مادة المازوت إلى 35000 أي ما يقارب 95 دولاراً أمريكياً، كما أن سعر وقود التدفئة يتأثر صعوداً بأي أمر يستجد في حلب من اشتباكات أو قصف أو غيرها، “تعودنا أن يرتفع سعر المازوت في الشتاء لكن ليس لهذا الحد” يقول أبو بكري صاحب محل بيع محروقات في حي الشعار بحلب.
بينما يعزو تجار محروقات آخرون ارتفاع أسعار وقود التدفئة لأسباب عديدة، كانقطاع الطرق بين مناطق سيطرة تنظيم “داعش” ومناطق سيطرة الثوار بسبب الأمطار والاشتباكات المستمرة بين تنظيم “داعش” و قوات الثوار شمال حلب، ويقول “أبو أحمد”، تاجر المحروقات في حي السكري، للغربال: “ارتفاع أسعار المحروقات كان بشكل رئيسي بسبب قصف طيران التحالف والطيران الروسي على آبار وصهاريج النفط في مناطق سيطرة تنظيم داعش إضافة إلى أن الطريق الترابي الوحيد الذي يسمح لنا بالمرور منه كتجار ومدنيين بين مناطق سيطرة داعش ومناطق الثوار هو طريق ترابي يتسبب أي هطول للأمطار بقطعه لأيام ما يدفع التجار لرفع أسعار ما لديهم من محروقات مخزنة”، ويضيف شريكه أبو عزيز: “الحل الوحيد لتخفيض أسعار المازوت هو تحييد ناقلات النفط عن هذه الحرب سواء من قبل الطيران المختلف الجنسيات أو من قبل تنظيم “داعش” والثوار إضافة إلى ضرورة فتح الطريق المعبد المغلق حاليا بين مناطق سيطرة داعش ومناطق سيطرة الثوار” ويبرر أبو عزيز طلبه بفتح الطريق المغلق في وجه التجار والمدنيين بين مناطق سيطرة داعش ومناطق سيطرة الثوار بقوله: “يؤدي هذه الإغلاق إلى استغلال البعض لهذا الظرف عن طريق أخذ رشاوى للسماح بمرور شاحنات البضائع وصهاريج المحروقات، والحاجز الأشهر الذي يقوم بابتزاز التجار وأخذ الرشاوى منهم هو الحاجز المعرف بـ”حاجز الشعيطات” وهو أول حاجز يعترضك بعد الخروج من مناطق التنظيم باتجاه مناطق سيطرة الثوار”.
ترتفع أسعار المحروقات وتهبط أكثر من مرة في الأسبوع الواحد دون وجود أي ضابط لها، ما جعل التدفئة على المازوت خياراً للمترفين من أبناء حلب، في الوقت الذي يعتمد فيه الباقون على الحطب والذي سجلت أسعاره هي الأخرى ارتفاعاً ملحوظاً هذا الشتاء مقارنة بالشتاء الماضي اذا يباع الحطب اليوم بسعر 45 ليرة سورية للكيلو بينما كان سعره في الشتاء الماضي 30 ليرة أي أن سعره ازداد بنسبة 50%، الأمر الذي جعل شراء الحطب غير ممكن بالنسبة للعائلات المعدمة والتي تعتمد على ما تقدمه المنظمات الإغاثية من حصص إغاثية تعيش عليها، وكذلك وضعها بالنسبة للتدفئة حيث تنتظر هذه العائلات حصص “البيرين” (وهو مادة تصنع من مخلفات عجو الزيتون بعد عصره وتستخدم بالتدفئة في المدارس والمخيمات داخل سوريا) والتي لم يتم توزيع أي حصص منها حتى الأن، لتلجأ العائلات الفقيرة إلى جمع الأخشاب المتبقية من البيوت المدمرة بقصف الطيران خاصة في منطقة حلب القديمة والتي يدخل الخشب في بناء بيوتها.
انخفاض دخل السكان لعب دوراً بحرمانهم من الدفء
قضت الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات على الحياة الاقتصادية في مدينة حلب، حيث دمرت البراميل معظم الأسواق في المدينة، كما تحولت المطقة الصناعية شمال حلب إلى منطقة عسكرية ما أدى إلى تدمير عدد كبير من معاملها إضافة إلى تعرضها للنهب من قبل بعض عمالها الذين انتسبوا لفصائل الثوار، وكان حال معظم معامل حلب ومناطقها الصناعية (الليرمون والشقيف والكلاسة والبني زيد وغيرها) كحال المدينة الصناعية في الشيخ نجار، تسبب كل ذلك بغياب فرص العمل بشكل شبه كامل باستثناء بعض الورش التي ما زالت تعمل ظروف صعبة.
يقول أبو سعيد، صاحب ورشة خياطة في الفردوس، شارحاً وضع الصناعة في مدينة حلب: “التيار الكهربائي مقطوع بشكل دائم والمواد الخام غير متوافرة وتأمينها من تركيا مكلف جداً إضافة إلى صعوبة نقل المنتاجات بين مناطق حلب بسبب القصف والاشتباكات كل ذلك يجعل دخل الورشة لا يصل الى نصف ما كنت أحصل عليه قبل خمس سنوات”، هذا التدني في دخل الورش والمعامل يسبب تدنيا في دخل العامل أيضا حيث تتراوح رواتب العمال في مدينة حلب بين 20000 إلى 40000 بينما لا تتجاوز رواتب مقاتلي المعارضة 25000 ويمكن أخذ معدل وسطي للرواتب في حلب 30000 ليرة سورية أي ما يقارب 80 دولاراً أمريكيا في الشهر فقط، و هو مبلغ لا يكفي لشراء برميل واحد من مازوت التدفئة شهرياً أي بمعدل استخدام 6.6 ليتر يومياً.
يقول رامز الذي يعمل خياطا: “عليّ الاختيار بين إطعام أولادي وشراء المازوت، لذلك فأنا أفضل جمع الحطب من البيوت المدمرة”.
لجأ سكان حلب للحطب كبديل للمازوت فكانت الحدائق والأحراش التي قطعت جذوعها لتباع في الأسواق ضحية ارتفاع أسعار المحروقات وفقدها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، لترتفع اسعارها لاحقا مع أسعار المحروقات، يقول رامز “أحتاج يوميا 15 كيلو حطب أي 450 كيلو شهريا يبلغ ثمنها أكثر من 20000 ليرة سورية وبذلك ادفع نصف راتبي للتدفئة”.
البرد يضرب المخيمات الحدودية ولا احتياطات لمواجهته
شهدت المخيمات الحدودية في حلب وإدلب أكثر من عشر وفيات معظمهعم أطفال خلال العواصف الثلجية التي اجتاحت المخيمات الحدودية في الشتاء الماضي، حيث لا جدران تقي من البرد ولا أسقف تمنع تسرب الماء ولا شوارع يمكن اللجوء إليها إذا ما غرقت الخيام، كانت الجزمة البلاستيكية حذاءً موحداً لجميع سكان المخيمات رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً علها تمنع تسرب المياه إلى أصابع اللاجئين.
ومع التوقعات بقرب هبوب عواصف ثلجية أكثر شدة هذا العام لم تُتخذ أية إجراءات لمواجهة خطر الموت بردا والذي يهدد حياة عشرات الآلاف من سكان المخيمات الحدودية شمال حلب وإدلب حسب محمد كيلاني مدير مخيم باب السلامة الحدودي الذي شرح حال المخيم للغربال قائلاً: “الوضع ليس خافياً على أحد، كانت التدفئة في السنة الماضية تعتمد على الحطب بنسبة 70% و الباقي مازوت وكاز أما هذا العام فلم يقدم لنا شيء حتى الأن سواء للتدفئة أو لتعبيد الطرق التي تتحول إلى طرق موحلة بين الخيام في الشتاء”، ويضم مخيم باب السلامة الحدودي أكثر من 3000 لاجئ لم يقدم لهم أي وسيلة للتدفئة بعد.
التعليقات متوقفه