ما الذي يجري في حلب؟ – ضياء الدين صابوني
قبل التدخل الروسي المباشر في سوريا، كانت حلب وريفها تعيش حالة من الشد والجذب بين الثوار من جهة، وبين النظام وميليشياته من جهة، وبين تنظيم “داعش” من جهة ثالثة، وبين قوات حماية الشعب الكردية من جهة رابعة.
حيث يسيطر الثوار على نصف المدينة وأرياف المحافظة الشمالية والغربية ومعظم الريف الجنوبي، بينما يسيطر النظام على نصف المدينة الذي يحوي المراكز الأمنية وجامعتها وأحياءها الراقية وقلعتها التاريخية، وعلى أجزاء صغيرة من الريف الجنوبي الواصل بمحافظة حماة، بينما يسيطر “داعش” على الريف الشرقي، وتسيطر القوات الكردية على جزء صغير من المدينة في شمالها الغربي وعلى منطقة واسعة ذات أغلبية كردية في الشمال الغربي من المحافظة على الحدود مع تركيا وهي منطقة عفرين وعلى منطقة عين العرب في أقصى شمال شرق ريف حلب.
بعد التدخل الروسي؛ استقوى الإيرانيون بالطائرات الروسية لدقة أهدافها وشدة ضرباتها، وأعدوا خطة طويلة الأمد لفك الحصار المزعوم على قريتي نبل والزهراء شمال غرب حلب، والفوعة وكفريا جنوب غرب حلب التابعتين لمحافظة إدلب.
بدأ الهجوم باتجاه الفوعة وكفريا أولاً عبر الريف الجنوبي الذي يسيطر النظام على أجزاء منه، واستطاع الإيرانيون التقدم على مساحة عرضها أكثر من 10 كلم وطولها يزيد عن 20 كلم، بموازاة طريق دمشق الدولي، ولكنهم لم يستطيعوا قطع الطريق الدولي وتجاوزه للوصول إلى الفوعة وكفريا غير البعيدتين عنه.
في ذات الأثناء كانت تحدث مناوشات على الجبهة الشمالية لحلب، في محاولة من قبل الإيرانيين للوصول إلى نبل والزهراء، إلا أن الثوار كانوا هم المبادرين لعدة هجمات عى جبهة باشكوي شمال حلب التي يسيطر عليها النظام.
بعد ذلك قرر الإيرانيون إيقاف جبهة الريف الجنوبي مؤقتاً، ووجهوا كل قوتهم العسكرية إلى الشمال، وبدعم وتغطية من الطيران الروسي يفوق التغطية السابقة بأضعاف، بحوالي 12 طلعة جوية في اليوم الواحد، وست طائرات في الطلعة الواحدة، تستطيع كل منها قصف هدفين محققين .. حتى استطاع الإيرانيون الوصول فعلاً إلى نبل والزهراء عبر خطة محكمة وضمن خط جغرافي محدد داخل أراض زراعية وأحراش لا تتمركز فيها فصائل الثوار، على عكس الريفين الغربي والجنوبي لحلب القريبين من فوعة وكفريا، عدا عن قوات الثوار المتمركزة في إدلب التي لن تسمح للإيرانيين بالتقدم بسهولة بطبيعة الحال.
الإيرانيون ركزوا على هاتين المعركتين لهدفين رئيسيين، أولهما إحراز نصر رمزي عبر “إنقاذ شيعة آل البيت من اضطهاد السنة النواصب” حسب قولهم، والمحاصرين في القرى آنفة الذكر كما يدعون، وذلك لإضفاء الشرعية والقدسية على المعركة التي جندوا لها آلافاً مؤلفة من الشيعة من إيران وأفغانستان والعراق ولبنان. والهدف الثاني هو تقسيم مناطق الثوار وفصل بعضها عن بعض، بحيث يتم إضعافها ويسهل الهجوم عليها مقسمة في المستقبل.
لم يستطع الإيرانيون إحراز أي من الهدفين في الجنوب نهائياً حتى الآن، لكنهم نجحوا في الشمال تماماً .. فقد أظهر إعلام النظام مقاتلين أجانب بلباسهم العسكري الكامل داخل نبل والزهراء وهم فرحون بتحقيق نصرهم المقدس. وتم فصل معظم ريف حلب الشمالي عن باقي المناطق المحررة تماماً، بحيث أصبحت المنطقة المعزولة محاصرة من الدواعش شرقاً، والإيرانيين جنوباً، والقوات الكردية غرباً، مع منفذ وحيد مغلق مع تركيا شمالاً، وأصبح سقوط معبر “باب السلامة” في المستقبل القريب متوقعاً، كما حدث مع معبر “كسب”، حيث لن يستطيع الأتراك فعل أي شيء، وقد أصبح حلمهم في منطقة آمنة شمال سوريا يسيطرون عليها ويقذفون اللاجئين إليها سراباً.
عدا عن ذلك؛ فقد أصبحت مدينة حلب على مرمى حجر من الحصار، خاصة مع وجود القوات الكردية على مقربة شديدة من طريق الكاستيلو الذي يصل مدينة حلب بريفها عبر الشمال الغربي، في ظل قصف روسي متواصل على محيط الطريق.
نبل والزهراء كانتا محاصرتين بالفعل من قبل الثوار على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وذلك بسبب تمركز نظام الأسد وقواته وميليشياته الطائفية فيها مستنداً على الحاضنة الشعبية الشيعية الموجودة فيهما منذ القدم، إضافة إلى استخدامهما ثكنة عسكرية ومقراً لقصف بلدات الريف الشمالي الذي يسيطر عليه الثوار .. إلا أن حصار الثوار لم يكن حقيقياً في واقع الأمر، لأن قوات حماية الشعب الكردية والميليشيات المساندة لها عقدت هدنة غير معلنة مع البلدتين في العامين الأخيرين، بحيث تم توفير كل احتياجاتهما، عبر المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية غرب البلدتين. إضافة إلى أن طائرات النظام كانت في وقت سابق -قبل الهدنة مع القوات الكردية- تلقي بكميات من السلاح والطعام والمال فوق البلدتين المحاصرتين عبر الطائرات المروحية.
بعد انفصال معظم الريف الشمالي عن باقي مناطق الثوار حصلت موجات نزوح رهيبة باتجاه تركيا شمالاً، من كامل القرى والبلدات التي تقع إلى الشمال من الخط الفاصل الذي سيطر عليها الإيرانيون للوصول إلى نبل والزهراء، أبرز هذه البلدات: اعزاز وتل رفعت وماير وكفرنايا وكفرناصح، إلا أن النازحين البالغ عددهم بالآلاف، ما زالوا عالقين على الحدود في العراء بسبب إغلاق المعبر والتشديد الأمني غير المسبوق على نقاط التهريب حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
وعدا عن كل ما سبق؛ فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الثوار عامة سيتأثر في الفترة القادمة، حيث يتم الاعتماد على كثير من المنتجات الزراعية من مناطق الريف الشرقي الذي يسيطر عليه تنظيم “داعش”، إضافة إلى النفط ومشتقاته الذي كان يتم شراؤه من مناطق داعش بسعر منخفض مقارنة بسعر النفط الذي يأتي من مناطق النظام، والذي يعتمد عليه الشمال السوري بشكل رئيسي في تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية للمصانع والمنازل، وتشغيل المركبات ووسائل التدفئة.
التعليقات متوقفه