أطمة.. من بلدة منسية إلى موطن لأكثر من 100 ألف نازح
لم تكن بلدة أطمة ذات شهرة كبيرة قبل اندلاع الثورة السورية، لكنّ الثورة أكسبتها صيتاً واسعاً، لقربها من الحدود التركية، ولاحتوائها فيما بعد على أكثر من مائة مخيم للنازحين الفارين من القصف.
تقع أطمة قرب الشريط الحدودي مع تركيا، شمال غربي مدينة إدلب، وقرب مدينة عفرين بريف حلب، وسط هضاب مزروعة بآلاف أشجار الزيتون، ورد اسمها في الرُقم الفخارية القديمة بنفس الاسم الحالي.
لم تجرِ في البلدة أية حفريات ﻷنها مأهولة بالسكان، ويُظن أنها دُمرت على يد اﻷكاديين، في الوقت الذي دُمرت فيه إيبلا، حوالي عام 2250 قبل الميلاد، وورد اسم البلدة في الخرائط الفرنسية كمدينة أثرية بائدة، ومن خلال الحفريات لإقامة المساكن، تبين وجود عدد من قنوات الري التي تغذي اﻷراضي الزراعية.
ورد اسمها أثناء الحروب الصليبية، وفيها مقبرة، تقع غربي العمران، ما يدعم قدمها فالمعتقدات القديمة تفرض وجود المقابر باتجاه غروب الشمس، إضافة إلى وجود مقابر رومانية على أطرافها، لكن هذه المقابر تعرّضت للنهب.
وفي العصر الحديث لم تكن لأطمة أهمية كبيرة، كونها بعيدة عن مراكز المدن، ولا يوجد فيها ممّر باتجاه الأراضي التركية، كان معظم شبابها ينتقلون إلى المدن الكبرى للدراسة وبحثاً عن العمل، بينما يبقى الفلاحون وكبار السن، للعمل في مزارعهم وللحفاظ على المنازل.
في البلدة نسبة كبيرة من المتعلمين، ومنهم من تقلّد مناصب علمية وحكومية، وبلغت فيها نسبة المتابعين لدراستهم عام 2010 نحو 50 بالمائة، بينما وصل عدد سكانها في العام نفسه ما يقارب العشرة آلاف نسمة.
وبعيد اندلاع الثورة عام 2011، كان شبابها من السبّاقين للمشاركة في نداء الحرية والكرامة، وخرجوا في عشرة المظاهرات نصرة للمناطق المنتفضة على النظام السوري، وطالب أبناؤها بإسقاط النظام وخروج عناصره الموجودين في مخفر البلدة.
وفي أواخر عام 2011، انسحب عناصر مخفر البلدة باتجاه معبر باب الهوى الحدودي، الذي أصبح ثكنة عسكرية، يقمع عناصره المتظاهرين في البلدات الثائرة، إلى أن تمت السيطرة عليه في تموز عام 2012.
في تلك الفترة كان النظام يضيّق على السكان في المدن الثائرة، ما اضطر الكثيرين من أهالي أطمة، القاطنين في إدلب وحلب ودمشق والمحافظات الأخرى، إلى العودة إلى بلدتهم، والبدء بحياة جديدة فيها، حتى أصبح عدد سكانها في مطلع 2016، نحو 40 ألفاً.
أصبحت البلدة بعد تحريرها معقلاً لكتائب الجيش السوري الحر، وفيها مقر هيئة أركانه، إلى أن سيطر تنظيم “داعش” على البلدة في عام 2013، وطردوا منها قيادة الأركان وفصائل الجيش الحر، ولم يبقَ فيها إلا القليل من الفصائل التي لم تكن على صدام مع “داعش”.
وبعد الانتهاكات المتكرّرة من قبل مقاتلي “داعش” قرّرت فصائل المعارضة طرد مقاتلي التنظيم من محافظة إدلب بشكل عام، ليتمكّنوا من تطهيرها مطلع عام 2014، لكن جبهة “النصرة” سيطرت على البلدة من جديد.
سمحت جبهة “النصرة” لبعض الفصائل بإقامة مقرات وكاتب في البلدة، لكنها ما تزال صاحبة الكلمة العليا فيها، إلى اليوم، إلى جانب “حركة أحرار الشام” وفصائل من الجيش الحر، كـ”فيلق الشام”.
ومنذ أن ازداد بطش النظام في مطلع عام 2012، أصبحت أطمة وجهة لمعظم النازحين، حتى لم يعد فيها منازل فارغة، فاضطر القادمون للسكن في خيام على أطراف العمران، إلى أن تمّ إنشاء مخيمات في أطراف البلدة حتى باتت تحوي أكثر من 140 مخيماً، تضم نحو 100 ألف من النازحين المهجّرين من منازلهم.
يوجد في البلدة مقرات عشرات المنظمات الطبية والإنسانية، لبعدها عن نيران قوات النظام وطائراته، وافتتحت مقابلها الحكومة التركية ممراً إنسانياً، يتمّ من خلاله إدخال المرضى والجرحى إلى الأراضي التركية، وتدخل منه المساعدات إلى سوريا.
لم تشهد البلدة قصفاً جوياً من قبل طائرات النظام، لكنّها تعرّضت لعدة غارات من طائرات أميركية، استهدفت فيها مقاتلين وقياديين من جبهة “النصرة”، إضافة إلى قصفها بقذائف الهاون من قبل وحدات حماية الشعب الكردية.
التعليقات متوقفه