ازدهار تربية الخيول الأصيلة في الشمال السوري – محمد الأسمر
الغربال – مع تأقلم الناس مع الحرب في سوريا، عادت تربية الخيول العربية الأصيلة لتظهر من جديد في العامين الأخيرين، بعد أن غابت في سنوات الثورة الأولى لأسباب عدة أهمها انعدام الأمن والأمان والخوف من سرقتها من قبل قوات الأسد، أثناء اقتحامها للمناطق الشمالية.
اليوم ومع تقدم عمر الثورة عاد هذا الموروث ليظهر من جديد، فهو موروث شعبي قديم، لا يمكن أن يتخلى عنه أصحابه بسهولة، و ربما تكلّف أصحابه الكثير من الجهد والمال في سبيل العودة لهذا المجال.
يقول “أبو خالد” وهو صاحب مربط للخيول العربية الأصيلة في الشمال السوري، لـ”الغربال” أعمل بتربية الخيول منذ فترة طويلة، لكن بعد اندلاع الثورة ابتعدنا عنها وعن وتربيتها بسبب الأوضاع الأمنية، وكثرة تنقلنا من منطقة إلى أخرى، ومع توسع الأراضي المحررة وشعور الناس ببعض الأمان، عدت من جديد لتربية الخيل على الرغم من أن الموضوع كلفني الكثير من الوقت والمال، في سبيل نقل الخيول إلى مناطق آمنة، وخصوصاً تلك التي كانت موجودة في مناطق سيطرة قوات الأسد”.
يضيف “أبو خالد” تعترضنا بعض الصعوبات خلال عملنا ولعل أهم هذه الصعوبات على الإطلاق، هي تسجيل المهر المولود حديثاً، وكما هو معلوم أن جميع الخيول الأصيلة من فصيلة “الواهو” تكون مسجلة لدى “المنظمة العربية العالمية للجواد العربي” وتأتي لجنة من قبل المنظمة لتأخذ عينات الدم وتطابقها مع عينات من دم الأبوين، لتتأكد من سلامة السلسلة، وبعد التأكد، تقوم المنظمة بختم الخيل المعروف على رقبته، وهذا الختم يرفع من قيمة الخيل بشكل كبير، وهذا ما نفتقده في هذه الأيام لاستحالة دخول اللجنة إلى المناطق المحررة”.
ونوه أبو خالد إلى أنّ، “السكان بدأوا يتشجّعون للعودة إلى تربية الخيول وبدأت بعض الفعاليات تنشط في المناطق المحررة، فقد أقيم سباق للخيول العربية الأصيلة في ريف حلب، منذ فترة وجيزة، ومن المقرر أن تقام مسابقات جديدة خلال الأشهر القادمة، كما تشكلت جمعية جديدة خاصة بالخيل العربي الأصيل، تدعى جمعية “الفجر” وتعمل هذه الجمعية على متابعة أمور الخيول العربية الأصيلة، ومحاولة التواصل مع اللجنة الدولية، بهدف فحص الخيول الموجودة في الشمال السوري وتسجيلها بقوائم “الواهو”.
ويتابع “أبو خالد” توجد أنواع كثيرة من الخيل العربي في المنطقة، فعلى سبيل المثال “صقلاوي جدراني، كحيلان العجوز، حمداني ابن غراب، عبيان، فرنسي محسن، مصري محسن”، إضافة للخيل السوري، الذي يعتبر أفضل الخيول الموجودة وأغلاها ثمناً، وتتراوح أسعار الخيول من ألف دولار إلى عشرة آلاف، ويلعب شكل الحصان ونوعه وسلالته، إضافة للمسابقات التي شارك بها دوراً كبيراً في ارتفاع ثمنه”.
يعمل مربو الخيل جاهدين على تأمين كافة مستلزمات خيولهم، من لقاح وأدوية ورعاية صحية، ولو كلفهم ذلك الجهد والمال، لأن أمراض الخيل تعتبر من الأمراض الصعبة والمستعصية وتختلف عن أمراض باقي الحيوانات.
يقول الدكتور “حسين بلان” المختص في علاج الخيول، لـ”الغربال” يعاني أصحاب الخيول من مصاعب عدة خاصة في الرعاية الصحية، إضافة للكلفة المالية الكبيرة، بسبب تميز الخيل عن بقية الحيوانات بأمراضها المعقدة، مثل التشوهات والتهابات الأوتار، وأكثر مرض يواجهنا هذه الأيام هو المغص، الذي قد يكون قاتلاً بسبب انعقاد الأمعاء، إضافة لصعوبة أمراضها التناسلية”.
ويضيف “على الرغم من تلك الصعوبات، بدأت تربية الخيول بالازدهار في الشمال السوري، منذ سنتين تقريباً، لكنها تطورت أكثر في السنة الأخيرة وأصبحت أكثر تداولاً في البيع والشراء على خلاف السنوات الماضية، حيث كانت حكراً على بعض العائلات إضافة لارتفاع أسعارها في ذلك الوقت”.
وتابع قائلاً “شهد العام الماضي ازدهاراً ملحوظاً في تربية الخيول العربية الأصيلة، وتم تشكيل جمعية مختصة بالعناية بالخيول العربية الأصيلة، وأنا أعمل كاستشاري في تلك الجمعية، وتعتبر هذه الجمعية كمشروع مبدأي ستنبثق عنه مشاريع أخرى، مختصة بالخيل العربي الأصيل، وستنظم الجمعية سباقاً خاصاً بالخيول العربية الأصيلة في الأشهر المقبلة”.
وتطرق الدكتور “حسين” إلى المعاناة في تقديم الرعاية الصحية للخيول الأصيلة فقال “نعاني بشكل كبير في تأمين الأدوية واللقاحات، بشكل خاص فجميع اللقاحات التي يحتاجها الخيل غير موجودة في الشمال السوري، وهذا الأمر يشكل عبئاً على الطبيب في عمله الحقلي”.
وعن تقديره لعدد الخيول الموجودة في الشمال السوري يقول “حسب تقديري تجاوزت أعداد الخيل في الشمال السوري 500 رأس، من فصيلة “الواهو” المعترف فيها عالمياً، إضافة لأعداد كبيرة من الخيول البلدية والمحسنة”.
وبالحديث عن تجارة الخيل، يقول الدكتور حسين “تقتصر تجارة الخيل على التجارة الداخلية بين مناطق النظام والمناطق المحررة، أو ضمن المناطق المحررة فقط، ولا يوجد تجارة مع تركيا بسبب قلة اهتمام الأتراك بالخيول العربية الأصيلة”.
ونتيجة التطور الملحوظ في تربية الخيول العربية الأصيلة في الشمال السوري، بدأ بعض المدنيين بالاهتمام والتجارة بها في هذه الأيام.
“أبو نبيل” من ريف إدلب، بدأ بتربية الخيل واقتنائها منذ قرابة العام، ويرى أن الكثير من الناس يميل لتربية الخيل، هذه الأيام لكنه يأمل في توجيه الأنظار بشكل أكبر على موضوع تربية الخيل، من قبل المنظمات والجمعيات المختصة، فالمربي لا يحصل على أي دعم أو رعاية خاصة بخيله، وتأمين الأعلاف مكلف نوعاً ما في هذه الظروف، لذا يلجأ المربي لبيع المواليد الحديثة من الذكور لتغطية نفقات الخيول الأخرى، ولأن الحصان مكلف في التربية ولا يقدم أي مردود مادي/ على خلاف الفرس، التي يميل أغلب السكان لتربيتها للاستفادة من نسلها.
ويأمل أغلب مربي الخيل من الجهات الرسمية أن تولي بعض الاهتمام بهذا الجانب، لما له من قيمة معنوية ومادية، وخاصة موضوع تسجيل الخيول المولودة حديثاً، حتى لا تفقد سلالات تعتبر من أفضل السلالات الموجودة في العالم العربي.
التعليقات متوقفه