الشباب السوري يكتوي بنار الوطن – مها الأحمد
استيقظ أبو أحمد من قرية البارة في جبل الزاوية ذات صباح ليجد ابنه الشاب أحمد (20عاماً) قد غادر دون أن يترك خبراً إلى أين ذهب أو لماذا ذهب؟ يقول أبو أحمد: “كل ما أعرفه أنه كان دائماً يضيق ذرعاً بوقت فراغه الطويل، ويفكر بما يمكنه أن يعمل ليوفر لنفسه مصروفاً شهرياً على الأقل، ولكنه لم يجد عملاً رغم بحثه الدؤوب، ورغم معارضته للهجرة إلا أنها كانت الحل الوحيد أمامه.
أحمد وغيره شباب كثر بقوا داخل وطنهم فأصبحوا اليوم فريسة ظروف صعبة عديدة كالبطالة والفراغ وتعطل الدراسة وأحياناً الانحراف والخطف في ظل غياب المؤسسات والجمعيات المهتمة بشؤونهم.
أحمد استسلم للهجرة وشق طريقه عبر البحر مع أصدقائه في قارب مطاطي، تاركاً غصةً في قلب عائلته التي تعلم أنها فقدته للأبد، ولم يبقَ لهم منه إلا اتصالات يطمئنون من خلالها على صحته أصبحت تتناقص شيئاً فشيئاً.
أصبحت الدراسة في جامعات النظام مخاطرة كبيرة، خاصة لأبناء المناطق المحررة، وأحجم الكثير من الشباب عن ارتيادها بعد مجموعة من الاعتقالات التي طالت الكثير منهم بحجة أنهم من منطقة إرهابية أو بحجة عدم وجود تأجيلة عن الخدمة العسكرية، اقتنع البعض من الشباب بالدراسة في جامعات إدلب الحرة بسبب عدم وجود البديل أو الأفضل، وككل الشباب الذين بقوا داخل سوريا والمناطق المحررة لأن ظروفهم المادية لا تسمح لهم بالذهاب إلى تركيا لإكمال دراستهم معن (20 عاماً) من كفرنبل يذهب يومياً للدوام في جامعة إدلب فرع الهندسة المعمارية، يقول معن: “لست مقتنعاً كثيراً بدراستي بسبب عدم وجود اعتراف بشهادة جامعات إدلب من قبل أي دولة لغاية الآن، وبالتالي سيبقى مصير مستقبلي مجهولاً ولكنها أفضل من لا شيء”.
لم يكن أمجد (23 عاماً) من كفرنبل أكثر حظاً منه فهو قد ترك الدراسة في جامعة حلب النظامية في السنة الثالثة قسم التاريخ بسبب الظروف الأمنية الصعبة وخوفه من الاعتقال، خاصة بعد أن رأى مصير غيره من طلاب الجامعة الشباب يقول أمجد: “توقفت عن الدراسة في جامعة حلب بسبب الظروف الأمنية، ولا أرغب بمتابعة دراستي في جامعات إدلب لأنها غير معترف بشهاداتها”، يعيش أمجد على أمل أن تحل الأزمة في بلاده يوماً ما لكي يستطيع متابعة دراسته في جامعة حلب كما يقول. ويفيد والد أمجد بأنه استطاع إقناع ولديه الشباب بالذهاب إلى ألمانيا لإكمال دراستهما في حين لم يستطع إقناع ولده الأكبر أمجد بذلك، ويعلل سبب تشجيع ولديه الآخرين للهجرة بأن الأوضاع داخل سوريا غير مهيأة نهائياً لتأمين مستقبلهم.
في حين كان الاعتقال مصير العديد من الشباب ممن جازفوا بحياتهم وقرروا إكمال دراستهم في جامعات حلب النظامية في محاولة يائسة لتأمين مستقبلهم، أم محمود والدة أحد الشباب المعتقلين من السكن الجامعي في حلب توضح بأن ابنها اعتقل من سكنه الجامعي مع مجموعة من رفاقه أثناء دراسته في السنة الثانية دون أن يكون له نشاط سياسي، تقول: “أتمنى لو أن ولدي ترك دراسته نهائياً في حلب قبل أن يُعتقل، فحياته وحريته أهم لدي من الدراسة”.
من ناحية أخرى انعكست آثار انعدام الأمن والأمان الذي ساد في المناطق المحررة على فئة الشباب بشكل خاص فلعنة الحرب صبت نقمتها عليهم من جميع الجهات كونهم يشكلون الفئة الأكثر تنقلاً وخروجاً من المنزل، محمد (22عاماً) من تلمنس يدرس في جامعة إدلب، كان يستخدم الدراجة النارية في ذهابه وإيابه بين قريته تلمنس والجامعة، حيث قامت مجموعة مسلحة مجهولة بخطفه أثناء ذهابه لجامعته، وطلبوا من أهله فدية مقابل حريته عبر هاتفه تقدر ب200 ألف دولار، يقول زميله ماهر في نفس الجامعة: “للأسف لم يقتنع الأهل بالتهديد ولم يكن معهم المبلغ أصلاً، وبعد مدة وجدوا ولدهم مقتولاً ومرمياً في إحدى الطرق شمال قرية (التح) وكان ذلك بتاريخ 24/5/2017، أما الشاب شحود محمد شحود تعتاع من كفرنبل فقد اغتيل أيضاً بالغدر بينما كان يقوم بعمله اليومي وهو العمل على سيارة الأجرة للطلبات الخاصة حيث قام مجهولون بقتله وسرقة سيارته بعد أن أوهموه أنهم زبائن يطلبون أن يوصلهم بالأجر إلى مكان ما. وفي الطريق قاموا بقتله وسلب سيارته ومن ثم هربوا كل هذه الأحداث جعلت الشباب في موقف الخائف والمتردد من أي خطوة يخطونها للعمل والحركة داخل وطنهم.
أما الشباب الحياديون عن الثورة لم تنفعهم حياديتهم وغدا أكثرهم مطلوباً لخدمة الاحتياط في جيش النظام، رشيد 32عاماً من كفرنبل اعتقلته قوات النظام بينما كان ذاهباً إلى حماة لاستلام راتبه واقتادته لتزج به في حرب غير مقتنع بها كونها بين أبناء وطنه الواحد حسب قوله، إذ بعد مغامرات صعبة ومعاناة أليمة وحيل استطاع رشيد أن يفلت من قبضتهم ويعود إلى أهله في إدلب المحررة سالماً وناجياً من حرب وصفها بالخاسرة من جميع النواحي، يقول رشيد تركت ورائي العديد من الشباب الذين يبكون ألماً من حرب خطيرة ومميتة في أبسط حالاتها.
وللشباب المنشقين عن جيش النظام معاناة خاصة بعد أن تركوا الخدمة الإلزامية، فالبعض منهم انتسب لصفوف الجيش الحر، والبعض لم يقتنع بذلك فكان الثمن هو البطالة والفقر، جميل شاب متزوج وله ولد انشق عن جيش النظام عام 2014، يؤكد جميل أنه طيلة السنوات الماضية كان يبحث عن عمل يؤمن بواسطته مصروف عائلته دون جدوى ويضيف أنه استقر أخيراً بعمل التجارة الحرة ولكنه مع ذلك يحتاج لمساعدة أخيه المادية الذي يقطن خارج الوطن.
ربما يذكرنا جيل الشباب والأطفال الذي عايش سنوات الحرب السورية بما سمي في أوربا بالجيل الضائع خلال الحرب العالمية الأولى، والذي ظهر كمصطلح بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم الخسائر البشرية الفادحة للأخيرة، بدأ العمل على تأهيل الشباب في المجتمعات المتضررة كأساس للنهضة الاقتصادية المرجوّة، غير أن الاختلال الكبير الذي حصل في التركيبة السكانية للدول الأوروبية التي شاركت في الحرب، من حيث الفارق بين الرجال والنساء، وبين الأطفال والمسنّين، كان يشكل العقبة الرئيسية، ولكن لعبت النساء أدواراً عظيمة في تلك الحقبة في سبيل إعادة الإعمار وتأهيل المجتمعات والتعليم.
ولأن الدراسة هي همنا الأول لبناء جيل مثقف قادر على النهوض بسوريا وبنائها من جديد، كانت هناك عدة محاولات من قبل بعض المجتهدين لإنشاء بعض المعاهد والجامعات من أجل استيعاب عدد من الشبان الحاصلين على الشهادة الثانوية من مدارس الائتلاف السوري، لمساعدتهم في إكمال دراستهم، ومن تلك المنشآت معهد البارة لإعداد المدرسين في قرية البارة، والذي يضم دراسة جميع الفروع الأساسية رياضيات ولغة عربية وعلوم ولغة إنكليزية، كما أقيمت معاهد عديدة لاستقبال الشباب في مجال إكمال الدراسة كمعهد شاين للمعلوماتية في معرة النعمان، ومعاهد تمريض في مختلف القرى والمدن في محافظة إدلب، بالإضافة لمعهد الإدارة والتنمية في مدينة كفرنبل، مدير المعهد حسن الفارس من كفرزيتا يوضح الهدف الأساسي من المعهد، ويقول: ” بأنه من أجل مساعدة الشباب للتوظيف، ويوضح أنه استفاد من التجربة الألمانية في الحرب العالمية، فقام باستيعاب حملة الشهادة الإعدادية أيضاً لإعطاء الفرصة لأكبر عدد من الشباب ليكونوا قادرين على العمل في المؤسسات والمنظمات التي تنشأ باستمرار في المناطق المحررة، ولتتوفر لديهم الخبرة اللازمة من أجل بناء وطنهم”.
لم يذكر وجود أية جهود من قبل الجمعيات الخيرية لمساعدة الشباب والاعتناء بشؤونهم بشكل رسمي وعملي، باستثناء بعض المحاولات الخجولة، وعن هذه الجهود يقول الدكتور نبيه عثمان رئيس جمعية “أنصار المظلومين” في حلب: “بأنهم ينوون إنشاء مشروعات تنموية من أجل هذه الغاية، وهي مساعدة الشباب في الداخل السوري وفي بلاد اللجوء أيضاً”، وينوه العثمان إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى طاقات لجمع المعلومات المتعلقة بهذه المواضيع الواسعة، ومن ناحية ثانية توجيه الشباب إعلامياً لعدم الاستكانة إلى البطالة فبحسب الدكتور نبيه إن الجهل وعدم امتلاك الخبرات هو السبب الرئيسي لانتشار البطالة، وفي مساهمة متواضعة من الجمعية أطلقت حالياً حملة “شباب التغيير” التي تقوم بتدريب اليافعين على المسؤولية المجتمعية في ثلاث محافظات حلب، إدلب، حماه، أطمه والتوعية المدنية في الأتارب.
وتبقى همة الشباب هي الأمل الأهم بالنسبة لأبناء وطنهم، فهم الشريحة الأكثر فاعلية في بناء الوطن ونبذ اليأس ولذلك ينبغي إعطاؤهم الأهمية الأكبر، ودراسة مشاكلهم ومحاولة حلها ليكون جيل الشباب جيلاً صحياً سليماً قادراً على النهوض بالوطن.
التعليقات متوقفه