ما يشبه “الفحم الحجري” في مدافئ إدلب وصدور سكانها – أسامة الشامي
رصدت فوكس حلب في هذا التقرير ظاهرة الفحم الحجري (أنواعه -أضراره -طرق استخدامه) وأهم النصائح التي يجب اتباعها للحد من مخاطر هذا الاستخدام.
وقود بأسعار مرتفعة
من خلال جولة أجريناها على محلات بيع وقود التدفئة لاحظنا ارتفاع أسعار المازوت التي تحددها شركة وتد للمحروقات والمرتبطة بسعر الدولار، إذ حددت سعر البرميل ضمن نشرتها في ٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٠ بـ ١٦٩ ألف للنوع الأول (الأوكراني) و١٤٩ ألف للنوع الثاني (العراقي) واللذان يدخلان الأراضي السورية عبر تركيا. في حين يصل سعر الطن الواحد من الحطب إلى نحو (١٠٠-١٣٥) ألف ليرة يزيد أو ينقص بحسب نوعه.
ويعيش معظم سكان المنطقة في إدلب وريفي حلب الجنوبي والغربي ظروفا اقتصادية سيئة، خاصة مع ازدياد حركات النزوح وقلة فرص العمل يرافق ذلك الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار وتوقف دخول النفط الخام بشكل كامل من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بعد المعارك التي شهدتها خلال الأشهر الماضية.
بدائل سيئة وبأسعار مرتفعة
لجأ الأهالي بحثاً عن الدفء إلى حلول بديلة كان أهمها استخدام “البالة” وهي الألبسة والأحذية المستعملة بما تتركه من أضرار وآثار سيئة على الصحة، ولكن ارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة قلص من استخدامها.
يقول أبو محمد إن سعر الكيلو غرام من البالة يتراوح بين ٨٠ إلى ١٠٠ ليرة بحسب نوعها، وهناك ما يباع بـ “البالة الكاملة” والتي يبلغ وزنها نحو نصف طن ويبلغ سعرها نحو ٢٦ ألف ليرة، وتحتاج المدفأة لنحو ١٥ كيلو يومياً من البالة لتشغيل التدفئة بنحو ثمان ساعات يومياً.
ارتفاع الأسعار دفع السكان للاعتماد على “الفحم الحجري” غير المتداول سابقاً في المناطق السورية، يقول محمود المهدي رب أسرة مكونة من ستة أفراد إن “الوضع المادي لمعظم السكان لا يتناسب مع أسعار الوقود في المنطقة، ولذلك لجأ وكثير ممن يعرفهم إلى استخدام الفحم الحجري وذلك لرخص ثمنه وجودة التدفئة التي يقدمها، إضافة لطول فترة احتراقه في المدافئ ما يوفر من الكمية اللازمة، دون إغفال عذاب تشغيله والأضرار التي يسببها”.
فحم وما يشبه الفحم
يمثل الفحم الحجري وسيلة للتدفئة في عدد من دول العالم إلا أنه وسيلة جديدة في حياة السوريين، وبتتبع الأنواع الموجودة في السوق السورية وجدنا أنواعاً مختلفة منها الفحم الحجري التركي الأزرق ويصل سعر الكيلو غرام منه إلى مئتي ليرة سورية، فيما تصنف باقي الأنواع على أنها فحم حجري وهي في الحقيقة عبارة عن بقايا مشتقات نفطية يطلق عليها اسم “الفحم” تجاوزاً.
ولبقايا المشتقات النفطية “الفحم المزعوم” ثلاثة أنواع في السوق السورية، أولها ما يطلق عليه اسم “رويس” وهو عبارة عن قطع سوداء “مخرمة” يصل سعر الكيلو غرام منه إلى ١٢٥ ليرة سورية ويفضله الأهالي “لأنه يتحول إلى جمر يبقى لفترة طويلة بعد الاحتراق”، أما النوع الثاني فيعرف باسم “رميلان” وهو عبارة عن كتل شبيهة بالرمل الأسود تكون صلبة وغير مخرمة، ويصل سعر الكيلو غرام منه إلى نحو مئة ليرة، أما النوع الأخير فيعرف باسم “الجير” وهو أسوأ أنواع المشتقات النفطية ويكون عبارة عن قطع سوداء رملية لامعة لا يتجاوز سعر الكيلو غرام منها ٥٠ ليرة، ويسيل عند الاحتراق مطلقاً دخاناً سميكاً، بحسب مستخدمي هذه المواد.
ويوضح المهندس البتروكيميائي عبد العزيز منصور طبيعة تلك المواد نافياً أن تصنف من أنواع الفحم، فهي خليط من الجير والاسفلت والكبريت والزيوت النفطية وبعض المشتقات البترولية، وأنها لا تصلح أن تكون مواد تدفئة، لعدة أخطار ناجمة عنها، كونها ناتجة عن تكرار النفط بما يعرف بالحراقات البسيطة، والتي لا تعزل البنزين تماماً، مما يجعل الناس معرضين لدخول الرصاص الموجود فيه إلى أجسادهم، عن طريق الاستنشاق أو الملامسة المباشرة، والذي يؤدي إلى أمراض عديدة، أخطرها دخوله للدم، وإلى الجهاز العصبي، وإذا ارتفعت نسبه يؤدي إلى حالات تسمم شديدة، وبعض الأحيان إلى الوفاة ، كما أكد المنصور أنه خلال سنوات عمله بمحطات التكرير النظامية، كان يخضع العاملون لفحص دوري كل ستة أشهر، خوفاً من تزايد نسبة الرصاص بالجسم، وفي حال حدوث ذلك، يتم إبعاد العامل عن هذه المواد لخطورة الموقف.
مدافئ الفحم وطرق استخدامه
لا تتناسب المدافئ التي تعتمد على الديزل أو الحطب مع وقود الفحم أو البقايا النفطية، حيث يوجد مدافئ جاهزة خاصة لها، يستخدمها البعض، ويصمم ويعدل السوريون مدافئ أخرى لتتناسب معه، بحسب ما أخبرنا مستخدمي هذه الوقود.
يقول علي البعير (أحد السكان الذين يعتمدون على الفحم في التدفئة) إن هناك مدافئ جاهزة للفحم إلا أن ارتفاع ثمنها (يبلغ سعر المدفأة حوالي 250 دولار) يحول دون قدرة السكان على اقتنائها ما يضطرهم للبحث عن حلول بديلة كتفصيلها عند دكاكين الحدادة بسعر يصل إلى (٣٥ ألف ليرة) أو تعديل مدافئ المازوت العادية لتتناسب مع الفحم حيث ينزع “فرنها” ويضاف إليها “جرار تنظيف وفتحة تحريك”، وهي أكثر الطرق المستخدمة إذ لا يتكلف تعديل المدفأة سوى خمسة آلاف ليرة.
يعبئ الأهالي الفحم والمخلفات النفطية بأكياس صغيرة من النايلون تتسع لحوالي كيلو غرام واحد، ويوضع في المدفأة كيس واحد كل ثلاث أو أربع ساعات، بحسب ما ذكر لنا من التقيناهم خلال إعداد التقرير، ونوه أغلبهم إلى أن الفحم والمواد النفطية لا تشتعل فقط بطريقة الأكياس، ويعتمدون على “الحطب أو ألبسة البالة أو البلاستيك” لتشغيلها.
صحة مهدورة
يجهل كثير من الناس مخاطر استخدام هذه المواد في التدفئة، يقول الطبيب أحمد الحسن (الأخصائي في الأمراض الصدرية) إن حالات من الاختناق الجماعي والالتهابات الصدرية تراجع عيادته يومياً بسبب استنشاقها لغاز أول أكسيد الكربون الذي وصفه بـ “السام” والذي ينتج عن احتراق المواد النفطية.
ويضيف الطبيب الحسن أن احتراق هذه المواد يصدر غازات ضارة أخرى كأكسيد الكبريت والآزوت وهي من أسباب الإصابة بمرض الربو، كذلك تسبب تهيجاً في الأغشية المخاطية والتنفسية، وتؤثر على صحة العين، وتضعف مقاومة الجسم للأمراض المعدية والفيروسية، كما تطلق عملية الاحتراق تلك مركبات الهيدروكربون مثل غاز الميتان والإيتان وهي من الغازات المسببة لمرض السرطان.
ويرى الطبيب عبد الرؤوف حاج يوسف (اختصاصي بأمراض الصدر) إن هذه الغازات تترك أثرها الأكبر لدى الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض تنفسية مزمنة، ويلاحظ الطبيبان ازدياد عدد المراجعين للعيادات والمشافي والذين يعانون من شكاوى تتعلق بالأمراض التنفسية وخاصة هجمات الربو الحادة، والداء الرئوي الانسدادي المزمن، وحالات التحسس الصدري لدى الأطفال مرجعاً السبب للغازات الناتجة عن عملية احتراق المواد النفطية شبيهة الفحم الحجري.
وحذر الطبيبان من عدة آثار ضارة على الإنسان من غازات هذه المواد، مثل حالات التسمم العائلية، والإصابة بالأمراض التنفسية، كمرض النفاخ الرئوي، وسرطانات الرئة، وتفاقم أمراض الجهاز التنفسي كالربو، والتهاب القصبات المزمن، وتفاقم الأمراض القلبية الوعائية، و اختلال وظائف الرئة، وضعف مقاومة الرئتين بشكل خاص، والجسم بشكل عام، وزيادة معدل الوفيات.
واعتبر الطبيبان أن الحل يحتاج لتضافر الجهود بين المنظمات والجمعيات الإنسانية لتأمين بدائل غير ضارة للتدفئة، إذ لا يمكن الطلب من الأهالي الكف عن استخدام هذه المواد دون إيجاد بدائل بأسعار مناسبة.
نصائح وتحذيرات
وشدد المهندس البتروكيميائي محمد خضر على ضرورة إحكام إغلاق المدافئ، ومداخلها، ومنع أي تسريب للدخان داخل المنازل، وأشار إلى أن حرارة المواد النفطية العالية مع الرطوبة تتلف معدن المدفأة والمداخن، وتتسبب بثقوب فيها يجب الانتباه لها، ومنعها من تسريب الدخان داخل المنازل.
في حين نصح الطبيب عبد الرؤوف حاج يوسف بعدم إغلاق الأبواب لفترات طويلة ووجوب تهوية الغرفة كل ساعة، وخصوصاً الغرف التي يتواجد فيها الأطفال.
ومن خلال من التقيناهم لاحظنا ابتعاد الاهالي عن تحذيرات الأمان هذه، وأن أغلبهم لا يهتمون بتهوية الغرف، إضافة لاعتماد أكثرهم على المدافئ المعدلة والمصنعة والتي تحتوي على فتحة تحريك تتسرب منها الغازات، عدا عن ثقوب اهتراء المدافئ والمداخن، هذا الاستهتار وما يترتب عليه من أضرار، دفع فوكس حلب لإعداد بحث موسع عن هذه المواد، وأخطارها وطرق تجنبها، خاصة مع تسجيل أول حالة وفاة منذ أيام لسيدة وإصابة زوجها في مدينة أريحا جنوب إدلب، يقول أحد أبناء العائلة الذين تواصلنا معهم أن الأطباء قالوا إن سبب الوفاة عائد لتسممها نتيجة استنشاقها لغاز أول أكسد الكربون، بعد ترك جمر الخشب في غرفة نومهما وهو بحالة تفحم غير مكتمل الاحتراق.
المصدر : فوكس حلب
التعليقات متوقفه