التجمّعات السكنية الحديثة في إدلب تقضي على المساحات الخضراء
تختلف مساحة الشقق التي أقيمت لسكان المخيمات في التجمعات السكنية، إلا أن أصغرها يبلغ نحو ثلاثين متراً مربعاً، ويصل بعضها لنحو خمسة وسبعين متراً، ناهيك عن المساحة المتروكة بين هذه المنازل، كالطرقات والوجائب، وبحساب بسيط أجراه المهندس المدني فواز عبد الحميد، بأن متوسط المساحة التي يمكن أن تضم ما تم الحديث عن بنائه من وحدات سكنية، بحسب وزير الداخلية التركي، والتي جرى تنفيذ نسبة كبيرة منها، بدعم تركي، وهي أزيد من 52 ألف شقة، يزيد عن مليوني متر مربع في حال البناء الأفقي، وهو ما يعادل نحو ثلث مساحة محافظة إدلب.
يخبرنا المهندس إنه وبهذه المقاييس لا نكون أيضاً راعينا المخطط الهندسي والمساحات التي يجب أن تترك للتهوية والمساحات الخضراء كالحدائق والمرافق العامة الأخرى.
بحسب الخارطة الاستثمارية (1) في محافظة إدلب، والصادرة عن وزارة الزراعة في حكومة النظام، فإن مساحة المحافظة تبلغ (609.7) ألف هكتاراً. قبل العام 2011 كانت نسبة الأراضي الزراعية المستثمرة (58.34٪) وغير المستثمرة (0.26٪)، الأبنية والمرافق العامة (7.37٪)، الأنهار والبحيرات (0.43٪)، أراضي صخرية ورملية (13.43٪)، مروج ومراعي (7.1٪)، أراضي حراجية (13.01٪).
يوضح تقرير (2) نشرته قناة BBC استخدمت فيه تقنية الأقمار الصناعية حجم التعدي على الأراضي الزراعية في مخيمين اثنين شمالي إدلب، وتبين الصور تطور المخيمات وتحولها إلى مبان سكنية قاضمة المساحة الزراعية لآلاف الأمتار المربعة، مؤكداً أن النمو السكاني نما بشكل وصفته بـ “الحاد” خلال السنوات الأخيرة.
يقول المهندس خالد الشرع “إن التربة الزراعية في سوريا تنحسر يوماً بعد يوم أمام الزحف العمراني الهائل”، ويقدر تحقيق استقصائي حول الغابات الحراجية في إدلب احتراق وتحطيب نحو 35 ألف هكتاراً من الغابات الحراجية، من أصل 45 ألف هكتاراً. وهو ما يؤثر على البيئة والثروة الحيوانية في المنطقة. وتعتبر هذه الغابات ملكية عامة ولا يجوز استغلالها أو استئجارها حتى وإن تعرضت للقطع أو الحرق.
وكانت محافظة إدلب تضم 70 موقعاً حراجياً وتضم أكثر من 100نوع من الأشجار والشجيرات الحراجية، وفيها 50 صنفاً من الحيوانات والطيور البرية، كذلك المراعي والتي تقدر مساحتها في سوريا بنحو (8265) هكتاراً، وتشمل المروج والأراضي البور والراحة والأراضي غير القابلة للزراعة وحواش المزارع والقرى والمدن.
يتم بناء التجمعات السكنية، في الغالب، ضمن هذه المساحات، وهو ما سيحول دون إعادة تشجيرها من جديد من جهة، وضياع المراعي التي كانت مصدر رزق لأصحاب الماشية الذين فقدوا المناطق التي كانوا يمارسون فيها الرعي ما اضطرهم لبيعها أو ذبحها، إذ تقدر إحصائيات تراجع الثروة الحيوانية في المنطقة بنحو 40٪ خلال العام الماضي. كذلك فقدان عدد من الحيوانات والطيور النادرة والتي كانت تعيش في المنطقة، كالماعز السوري وطيور الشاهين وملك العقبان والرهو.
مديرية الزراعة التابعة للخدمات الفنية في مدينة الدانا بريف إدلب، و(المسؤولة عن قطاع ريف حلب الغربي بالإضافة للدانا وسرمدا وحزانو باتجاه أطمة والحدود التركية وباب الهوى) وهي المنطقة الأكثر كثافة بالمخيمات والتجمعات السكنية، قالت إن المنطقة تشهد نهضة عمرانية لقربها من الحدود التركية، وبوصفها المكان الذي يحتوي العدد الأكبر من النازحين والمهجرين قسرياً، منذ العام 2016، وحتى الآن.
وأضافت أن الازدهار التجاري والاقتصادي في المنطقة حولها إلى مكان يقصده أصحاب رؤوس الأموال الذين اتجهت أنظارهم إلى الأراضي الزراعية، خارج المدن، لبناء المحال التجارية والمستودعات والتجمعات السكنية وكراجات السيارات والمطاعم، خاصة وأن المدن الرئيسية داخل المخططات التنظيمية لا يمكن أن تستوعب الأعداد الكبيرة من النازحين إليها.
وأكدت مديرية الزراعة أن التطور العمراني يمتد على السهول الزراعية وفي محيط السلاسل الجبلية التي يحتوي قسم منها على شجيرات رعوية، ويضم قسمها الآخر أشجاراً مثمرة كالزيتون.
وتفصّل مديرية الزراعة إن الأراضي الزراعية التي أطلقت عليها صفة “المفقودة” كانت أشجاراً حراجية وأشجار زيتون في المناطق الجبلية المرتفعة من مدينة الدانا، أما في قاح وأطمة ودير حسان فكانت أغلبها من شجر الزيتون. أما مناطق أحراش كفر كرمين وحربنوش ومناطق كفر دريان وما حولها، فكان التوسع العمراني على حساب مناطق الأشجار الحراجية والزيتون وبعض الأشجار المثمرة كالتين.
المناطق السهلية حول الدانا وسرمدا والتي تمتد إلى حزانو والمناطق المحيطة، والتي كانت تزرع بالمحاصيل الشتوية البعلية كالقمح والشعير والبقوليات، تحولت إلى مبان أو تم تأجيرها من قبل ملاكها للمنظمات الإنسانية لبناء المخيمات، إذ تباع بأسعار مرتفعة أو تؤجر بمبالغ تزيد عما كان يحصل عليه المزارع من مواسمه.
الأراضي الزراعية البعيدة على الشوارع الرئيسية، كالخط الزراعي الدانا – سرمدا، تل الكرامة -سرمدا، سرمدا -الحلزون معظمها تم بيعها، فيما أجرت الأراضي الخلفية منها للمنظمات، إذ يؤجر الدونم الواحد بنحو (50 إلى 80) دولاراً سنوياً، تجدد في كل عام.
تضيف مديرية الزراعة إن هذه الأراضي كانت تنتج أنواعاً مختلفة من الخضراوات والنباتات العطرية كالحبة السوداء والكزبرة وأخيراً دخلت إليها زراعة العصفر التي جاءت مع نازحي ريف حماه الشمالي.
إلى الآن لم يسيطر العمران على كامل المساحات الخضراء والأراضي الزراعية، ما تزال هناك مساحات “جيدة” بين الأبنية المقامة، أما بالنسبة للمناطق الجبلية فأغلبها تحول إلى مخيمات ليست متلاصقة بالشكل الكامل كمخيمات أطمة وقاح.
أما بالنسبة للأمن الغذائي، فتقول مديرية الزراعة، إن اعتماد المنطقة اليوم يقتصر على سهل الروج ومناطق إبين ومعرة مصرين. ولا يوجد خطط مستقبلية بهذا الخصوص، فالحكومة حالياً غير قادرة على ضبط هذا الأمر، خاصة وأن المنطقة تعيش حالة حرب.
لا شك أن للتمدد العمراني أخطار عديدة، منها ما تتعلق بالتلوث البيئي الذي يؤثر سلباً على المساحات المزروعة، إذ أن المناطق التي تحولت إلى مخيمات لم تعد تربتها صالحة للزراعة، ولا بد من تجديدها في حال استصلاحها من جديد، خاصة مع تراكم النفايات وتوجيه الصرف الصحي إلى الأراضي الزراعية. وفي المناطق الجبلية التي فقدت فيها الأحراج فهي تعاني من انجراف التربة والتعرية وتحتاج إلى إعادة تشجير وإقامة مشاتل خاصة لتعويض النقص في الثروة الحراجية.
تقول مديرية الزراعة إنها لا تملك سلطة كإدارة محلية أو مديرية على صاحب الأرض، فيما إن أراد بيع أو تأجير أرضه لصالح الأبنية السكنية أو المخيمات.
وتضيف أن أمن الأشخاص وسلامتهم وحمايتهم من مخاطر البرد والحر والتشرد، بسبب ظروف الحرب، أولوية في هذه الفترة، وأن هذه المخيمات والعشوائيات بنيت في فترات متلاحقة مع موجات النزوح، خاصة وأنه في السابق لم يكن هناك وجود لإدارات محلية أو مكاتب خدمية.
هناك تراخيص وتنظيم هندسي للأبنية التجارية والسكنية من قبل الإدارة المحلية التي تضع عدداً من الشروط، أما فيما يخص المخيمات فلا يوجد أي مخطط تنظيمي، ويتم الأمر بين المنظمة صاحبة المشروع وإدارة المهجرين، وتراسل مديرية الزراعية لبيان إمكانية البناء على المساح المخصصة، وترد بالشكل المناسب، بحسب مديرية الزراعة التي قالت إن معظم هذه الأراضي فقدت أشجارها الحراجية بفعل الاحتطاب الجائر، وعاب عنها التنظيم لسنوات، ومر عليها الكثير من الفصائل والإدارات والمنظمات.
وتضيف مديرية الزراعة أن هناك دراسة وتعاون بين الإدارة المدنية وإدارة الخدمات الفنية، بالإضافة لوزارة التنمية ومديريات الزراعة والجهات المعنية لإحداث مخططات تنظيمية للمدن، لأن معظم العمران خرج عن نطاق المخطط التنظيمي الأساسي. حالياً يتم ضبط الأمر رويدا رويدا ويتم الموضوع بالتنسيق بين الإدارة المحلية وإدارة المنظمات وإدارة المهجرين بما يخص المخيمات، أما فيما يخص المناطق العمرانية التجارية كمدن وجمعيات سكنية فيتم تنظيمها من قبل الإدارات المحلية والمجالس المحلية والبلديات الموجودة.
لا يشترط موافقة مديرية الزراعة على منح تراخيص البناء في الأراضي المملوكة لأشخاص، والإدارة المحلية تقوم بفرض الرسوم حسب ما تراه مناسبا من ناحية المخططات الهندسية والمرافق.
أما في الأراضي العامة فتتدخل مديرية الزراعة في منع إقامة المخيمات في الأحراش المشجرة، ويتم منح الموافقة للبناء في الأحراش التي احتطبت أشجارها من أجل توطين النازحين خاصة بالجمعيات والمنظمات، إضافة إلى منح الموافقات لأهالي مناطق محددة لمنحهم محضر أرض لبنائها بالتعاون مع المنظمات الإنسانية.
تخلص مديرية الزراعة إلى أن التمدد العمراني في المناطق الجبلية وبعض السهول قضم مساحات كبيرة من الأراضي صالحة للزراعة، وخصوصاً بعد توجيه الصرف الصحي العشوائي للمخيمات وقلة جريان الأنهار، وقطع الاشجار والشجيرات، وقلة المراعي الجبلية للماعز والمراعي السهلية للأغنام، إضافة الى تراجع بعض الزراعات، وخسارة رئة المنطقة، ولا يزال هناك مساحات “جيدة” قابلة للزراعة، ومساحات خضراء يمكن الاعتماد عليها.
المراجع:
1- وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي
2- BBC عربي
التعليقات متوقفه