تجاوزات على حساب الثورة – سليم المحروق
تجاوزات على حساب الثورة
سليم المحروق
في الإنسان نزوع عفوي إلى تلمُّس الحقيقة وتتبعها، ليحظى بطمأنينة القلب وراحة الفكر، وفيه دوافع خلقية للعيش ملء قامته بحرية وكرامة وكبرياء، وذلك مهما سُدَّت في طريقه السبل، وأوصدت في وجهه الأبواب.
وبتلك العفوية وبهاتيك الدوافع كانت صيحة شبابنا الأولى في سوريا كلها كما السيل في ذروة اندفاعه، تهتف للحرية وتدعو إلى تحطيم كل أنواع القيود والسدود والقهر والجبر والإكراه التي لا تليق بالإنسان والمرتبة المعدِّ لها والدور الذي يلعبه في الحياة.
وإن ذلك الدور لا يكون بالمال أو بالجاه أو بالسلطان والصولجان؛ بل بنشر مُثُل الحق والخير والعدل والحرية والمساواة والكرامة إلى آخر ما في سلَّم ضمير الحياة من فضائل إنسانية وأخلاقية بُذِل في سبيل انتزاعها وتثبيتها رسل ورواد ومصلحون ودعاة تضيق عن حصر أسمائهم وأعمالهم المجلدات.
وها نحن اليوم وقد تحولت الثورة في بلادنا إلى أزمة ومأزق عزَّ منها الخروج، وتاهت الدروب وصرنا صيداً سهلاً لبراثن تلك الأزمة الهوجاء، التي لم تعد تميز بين مدينة أو قرية في سوريا، وراحت تحصد الأرواح بكل أساليب الشناعة والبشاعة.
وهاهي دول العالم تتلاعب بواقعنا الراهن وتتحكم في مصيرنا ومستقبلنا حتى غدونا أشبه ما نكون بريشة في مهب الريح كما يقال.
فما بالنا والمصيبة بهذا الحجم والبلية تهددنا جميعاً. وترانا وقد ظن البعض من الناس أن الثورة منحته رخصة ليتصرف حسب هواه!
فمن المظاهر المؤلمة التي ينبغي علينا جميعاً -ونحن نعاني ما نعاني من القتل والخوف- أن نكبر بأنفسنا عن النزول إلى مستواها، وذلك على نحو ما أباح بعض الناس لأنفسهم انفلاتاً محموماً واندفاعاً جامحاً نحو أرضٍ اسمها “أملاك الدولة” فراحوا يتقاسمونها ويتنازعونها ويتنازعون عليها فهذا للتعمير وذاك للتسوير أيضاً.
ولو تأملنا المشهد الدموي الذي نعيشه وأردنا إحصاء الجرائم لهانت في أعيننا الأموال والأملاك مقابل الدماء التي تراق والأجساد التي تتمزق والأعضاء التي تتقطع والأرواح التي تزهق.
والأمر الآخر وقد تجلى بوجه قبيح مفسد للذوق والإحساس والوجدان؛ هو بيع الغاز الحر وعرض الجرار مستوفة في الأسواق فوق بعضها البعض وبكل جرأة وتجاوز على الحق والمنطق، فترى الجرار معروضة أمام باب الدكان وسعر الجرة 3000 ل.س أو يعني..!!! فكيف تحول سعر الجرة من 400 ل.س إلى 3000 ل.س، هل كانت غاية الثورة أن تحرر جرة الغاز من قيود ال/400/ ل.س..!
وكلنا شهدنا وعشنا مأساة غابة جبلنا، وما شهدته من هجوم همجي أتى عليها أو كاد، فصار قطع الشجر عادة قبل أن يكون حاجة. فهل يظن البعض أن الغنيمة تكون بحيازة قطعة من الأرض أو سرقة حفنة من المال أو بيع كيس من الطحين أو طن من الحطب؟
في الختام لابد من التأكيد على أن هذه العثرات الطارئة والانحرافات المقصودة أو غير المقصودة لن تسرّب اليأس إلى نفوسنا ولن تجعلنا نشكو الوهن أو التردد ولن تلين لنا قناة حتى انتزاع الحرية والكرامة لكل فرد من أفراد الشعب السوري على مساحة أرض سوريا كلها.
ونتمثل قول القائل:”إذا كان ثمن الحرية والكرامة فادح، فإن الرضى بالذل والعبودية أشد فداحة”.
التعليقات متوقفه