معارض خمس نجوم: خطيب بدلة – خاص الغربال
معارض خمس نجوم
خطيب بدلة – خاص الغربال
سأحكي لكم حكاية، بل هي واقعة حقيقية، يمكن أن تجدوا مثيلات لها كثيرات في واقعنا السوري، الثوري، الجهادي، الكفاحي، النضالي، المؤزّر..
ففي ذات نهار ربيعي بعيد، وكنا في قرية حزانو، خرجنا للصيد.. وفجأة، لمح ابنُ خالتي أبو أحمد، وهو الصياد الماهر، البارع، المحنك، حيواناً سميناً، بليداً، ذا جلد سميك، يسمى (الغرير). عاين عليه، سدد، (سَكْمَن)، أطلق.. دي دي بم.. أصابه في مقتل!..
الغرير، من حلاوة الروح، والتمسك بأهداب الحياة، انجرد مثل السهم، هرب، نط فوق الصخور، ونحن نتابعه بأبصارنا، حتى دخل في وكره..
قال أبو أحمد لصديقنا الهزلي عبد الله الحَشَّاش: هيا عبد الله، مد يدك إلى الوكر، اسحب الغرير، خلنا نجهزه ونتغداه، وليكن في علمك أن لحمه لذيذ..
قال الحشاش، متوجساً: وبركي عضني؟
ضحك أبو أحمد، حتى غارت عيناه، وقال: كيف يعضك وهو ميت وشبعان موت، أنت ما شفتني لما أصبته، وقتلته، بالجفت؟!
فكر الحشاش قليلاً ثم قال لواحد من أبناء أبو أحمد: تعال عمو.. مد يدك واسحب الغرير!..
فجأة انتفض أبو أحمد وقال لابنه: لا. دير بالك ابني! أوعى تمد يدك. والله إذا تمكن منها الغرير، وأطبق عليها بأسنانه على هيئة (قفل ومفتاح)، فإنه يقطعها!
دهشنا، ودهش عبد الله الحشاش وقال له: يخرب ديارك يا أبو أحمد.. لكان أنا يدي من دَفّ؟!!
أتذكر هذه الواقعة كلما رأيت معارضاً سورياً (متبروظاً) على إحدى القنوات الفضائية، وهو قاعد يبيض بيض (حباري) كبير من مؤخرة عصفور دوري.. لا يترك شاردة أو واردة من مصطلحات الشعب، والأمة، والحرية، والدين، والإيمان، والورع، والتقى، والصمود، والتصدي، والتضحيات، والمواجهة، والتحمل، والتقشف، والرفض، والمساعدة، والإغاثة، وشعبنا، وبلادنا، وأولادنا، وأهلنا، وبيوتنا، وأعراضنا.. إلا ويتشدق بها.. فما إن تشكره المذيعة، ويسحب منه الفنيون اللواقط والميكروفونات، ويناولونه أجرة الظهور على الفضائية التي كان يبيض لها، حتى يبدأ البحث عن سيارته، ومرافقيه، و(شبيحته)، وإذا نقصت نجمة واحدة من نجوم الأوتيل الذي ينزل به هو، وأسرتُه القريبة، وعائلتُه المقربة، وأباعدُه، فإنه مستعد أن يلعن سنسفيل الثورة، والثوار، والمعارضة، والحرية، والديمقراطية، والجهات الداعمة التي لم تقدر جهده، وتضحيته، وذكاءه، وفهلويته، وألمعيته، حق قدرها!
في هذه الثورة المباركة عشرات، بل مئات، بل ألوف، من مثل هذا المعارض المُطَعَّم على (غرير).. يأكل ويشرب، وينبسط، ويختبىء في فنادق الـ خمس نجوم، يبيع، ويشتري، ويقايض، ويقبض، وكلما استشعر- بأنفه الشبيه بأنف (بدري بيك أبو كلبشة)- الخطرَ في مكان ما، تراه ينط، ويقفز، مثل الغرير، إلى وكر آخر..
وفي هذه الثورة، نفسها، رجال حقيقيون، يعملون، ويكدحون، ويضحون، ويواجهون، ويتحملون، ويصرون على الخلاص من الاستبداد، وبناء دولة العدل والحرية والمساواة..
وفيها أيضاً.. مكنسة كبيرة.. لا شك أنها ستكنس الوسخ والقمامة..
هذه اسمها حركة التاريخ.
الثورة بدأت، وسوف تستمر.. وسوف تغير وجه التاريخ.
التعليقات متوقفه