حال الطلاب والموت بالباب – يُمنى محمد خطيب
حال الطلاب والموت بالباب
يُمنى محمد خطيب
يوم مشمس وجميل، ولم يتبقَ لدوامي إلا القليل، هدوء غريب لم نعتدْ عليه، وأصبحنا مدركين تماماً بأن وقت الهدوء لن يكون طويل.
جلسنا في الصفّ منتظرين قدوم مدرِّسنا، ونتحدّث عن أحلامنا وعن المصاعب التي تواجهنا. ولم يمرّ الحديث بدون ذكر شيء عن الأوضاع الثورية، والخوف والظلام والحرية.
بقدوم المدرّس سكت الجميع، فلا نريد لأية معلومة أن تضيع، ومع أن تركيزنا كان كبيرْ، إلاّ أننا سمعنا من الخارج صوت صفيرْ. اختفى المدرّس وكأنه عفريت، ونظرت حولي وإذ بي أنا وكلّ زميلاتي تحت المقاعد الخشبية، ومن ثمّ دوّت انفجارات قويّة، فظهر المدرّس من جديد وصرخ: إلى الطابق الأرضي، فنزلنا مسرعين، ويبدو أن عقولنا المفكرة لم تنزل معنا، بل بقيت في الصفّ تشغل أمكنتنا، وتخيّل يارعاك الله فتيات بلا عقول! منا من تضحك، وقسم بالبكاء مشغول، ونويت الصيام تطوعاً لله وعلى غير العادة بلا كسل أو خمول.
الجميع يقرأ القرآن، والتكبير عالٍ كوقت الأذان، ومن كانت قبل قليل تصغي للأغاني راحت تسبّح بكل تفاني. والمدرّس فقد صوابه، والفتيات كأنّهن في زمن الصحابة، دعاء واستغفار وإنابة.
أما الصبيان فيجدون في هذه الأوقات فرصة لا تعوّض لإظهار القوة والرجولة المنتحلة، ويحاولون إقناع الجميع بها ويرددون: لا تخافوا لا تخافوا… أستاذ ماذا ستفعل لحماية الفتيات؟ تضحية وإيثار وبطولات كوهج النار.
هدأ القصف قليلاً وكالعادة عقد في الإدارة مؤتمر عاجل، وأستاذ صاعد وآخر نازل، وخرج المؤتمرون بقرار متوقّع، وافق عليه المدير ووقّع، تقرّر: إلغاء الدروس اضطرارياً، ومع القرار خارطة للطرق الفرعية، والتي ربما تكون بمأمن من القذائف المدفعية، لنعود إلى بيوتنا حاملين على رؤوسنا همّ الكرة الأرضية، همّ الثورة ومستقبل سورية، وهم شهادتنا الثانوية.
التعليقات متوقفه