آثار كارثية للحرب على سجلات النفوس بسوريا – فريق الغربال
لم يتمكن سعيد السلوم، وهو شرطي منشق عن جهاز الشرطة التابع للنظام السوري، من تسجيل زواجه حتى الآن، كما أنه لم يتمكن من تسجيل الطفلة التي رزق بها مؤخراً؛ بشكل قانوني، فعلى الرغم من أنه تمكّن من تسجيل زواجه وطفلته في أمانة السجل المدني في المنطقة بحضور المختار، فإنه لم يحصل على دفتر عائلة، وهو يصف وضعه القانوني قائلاً: وضعي المعتمد عند الدولة “شاب عازب” فزوجتي ليست زوجتي وابنتي لم تولد بعد بسبب عدم تسجيل واقعتي الزواج والولادة!
وليست هذه حال المنشقين فقط، فقد تفاجأ السيد نزار وهو ما زال موظفاً، عند محاولة إخراج جواز سفر لابنه أن زواجه غير مثبت في السجل المدني بإدلب، وأن طفله دون رقم وطني، رغم امتلاكه دفتر عائلة، الأمر الذي استغرق منه أكثر من شهر لتثبيت الواقعتين، فقد اكتشف أن طلبات التسجيل في السجل المدني بإدلب مكدّسة فوق بعضها البعض مما اضطره للانتظار حتى يحين دوره، ولم تقتصر هذه المشكلة على الزيجات والولادات الجديدة، فالوفيات أيضاً لا تسجل، خاصة وفيات العسكريين المنشقين.
وحول سبب مشكلة عدم اكتمال تسجيل الوقائع المدنية الحاصلة في ريف إدلب في سجلات النفوس في مدينة إدلب تحدّث فريق الغربال للمحامي أسامة القاسم الذي أوضح قائلاً: السجل المدني في كفرنبل مازال على قيد العمل حاله من حال مختلف مراكز السجل المدني في ريف إدلب وهو يؤدي دوره بشكل جيد رغم الصعوبات، لكن المشكلة هي عدم اعتماد هذه الوقائع في سجلات النفوس في مركز المحافظة في مدينة إدلب، فالقائمون على السجلات هناك يطلبون إعادة التسجيل بإبراز الأوراق التي تثبت الوقائع المدنية المراد تسجيلها، كإبراز شهادة الولادة المصدقة من المختار لتسجيل المواليد الجدد.
ويشير الأستاذ أسامة لمشكلة حوادث القتل التي تحدث بسبب قصف قوات النظام أو لأسباب أخرى، فهذه برأيه هي المشكلة الأكبر، ويبقى التوثيق المحلي هو الحل المطروح والوحيد حالياً، خاصة وأن الحكومة المؤقتة لم تملك حتى الآن أي شرعية لتفعيل القيد المدني الذي مازال النظام صاحب المرجعية الوحيدة فيه، ويؤكد على ضرورة اضطلاع الشرطة الحرة بمهامها لتوثيق الحالات الجرمية، وأنه ليس عليهم الانتظار حتى تقديم شكوى، داعياً المحاكم الشرعية والشرطة الحرة وكافة الجهات التنظيمية للحفاظ على أمانة السجل المدني فهو بالنتيجة ضرورة وحاجة للجميع.
أما عن المشاكل الأخرى التي تعترض المواطن بالنسبة للسجل المدني فقد تحدث فريق الغربال إلى السيد أيمن كليدو، الموظف الذي استُغني عن خدماته وما زال يعمل في أمانة السجل المدني في كفرنبل من باب الحرص والإدراك لأهمية التوثيق للحياة المدنية، فقد أوضح السيد أيمن أن مشكلة الحصول على البطاقة الشخصية أصبحت إحدى مشاكل المواطنين رغم بساطتها، خاصة بعد نقل عملية تسليم البطاقات إلى مركز المحافظة في مدينة إدلب، وبالتالي أصبح الخوف من اعتقال الجهات الأمنية التابعة لقوات النظام سبباً في عدم توجّه الكثيرين إلى مدينة إدلب للحصول على البطاقة، والحال نفسه في حال الحصول على البطاقة بدل الضائع حيث أصبح يشترط أن يتم تنظيم الضبط حصراً في قيادة الشرطة في مركز المحافظة!
يواصل السيد أيمن حديثه شارحاً صعوبات التسجيل التي يعاني منها السكان: أصبح الحصول على البطاقة العائلية أو دفتر العائلة صعباً أيضاً بعد نقل تسليم البطاقات العائلية إلى مدينة إدلب، حيث يتم تسجيل واقعة الزواج في أمانة السجل المدني في الريف ولكن دون الحصول على البطاقة العائلية، مما يحول دون إمكانية تسجيل الأولاد، بالإضافة لعزوف الأهل عن تسجيل أولادهم ظناً منهم أن السجل المدني متوقّف عن العمل، فهناك أطفال بعمر أربع سنوات غير مسجلين حتى الآن، ويتطلب تسجيلهم ضبطاً وغرامة مالية.
وعند سؤال فريق الغربال للسيد أيمن عن الوضع القانوني للعسكريين المنشقين عن قوات النظام والذين يتوفون دون أن يتم تسجيل وقائع وفياتهم أوضح قائلاً: وفيات العسكريين لا تتعلق بالسجل المدني على الإطلاق، فالعسكريون قديماً كانت تتم توفيتهم عن طريق السجلات العسكرية وتُرسل صورة إلى أمانة السجل المدني لتتم توفيتهم، أما حالياً فلا يمكن توفية أي منشق عسكري بأي طريقة، وبالتالي تبقى أمور الزوجة معلقة ولا يحق لها التصرف بنفسها وفي حال تزوجت يكون زواجها غير معترف به قانونياً، وبالتالي لا يمكن تسجيل أولادها الجدد، فالمنشق والمطلوب برأيه انتهت حياتهما من السجلات المدنية.
ويهيب السيد أيمن بضرورة الحفاظ على السجلات المدنية في المناطق المحررة ويورد مثالاً عن تهديد أمانة السجل المدني في المعرة بالفقد والضياع بفعل سوء الحفظ، والتعرض للمطر، فمبنى الأمانة من أقدم المباني وحالياً دُمر أجزاء كبيرة منه وأصبح دون شبابيك، ولا يستطيع موظفوه نقل السجلات على مسؤوليتهم، وتعتبر أمانة المعرة أمانة ربط، فأي خطأ قديم “أي ما قبل عام 1965” يحتاج لطلب بيان تسجيل من المعرة حتى يتم تصحيحه.
وحول أهمية التسجيل في السجل المدني يتحدث السيد أيمن قائلاً: ليس التوثيق هو هم المواطن، وإنما الحصول على وثيقة قانونية معترف عليها تضمن حقوقه، ولذلك فإن أمنيته هي قدرة وزارة العدل المؤقتة على تبني أمانة السجل المدني، والمحافظة عليها من الضياع والتلف بفعل القصف أو العوامل الجوية، بالإضافة لمنح وثائق معترف عليها من قبل دول الجوار وأصدقاء سورية، وهذا برأيه يتطلب الاعتراف بالحكومة المؤقتة التي مازالت عاجزة عن تبني أية وثيقة صادرة عنها ليكون لها الحجية القانونية اللازمة لنفاذها.
وعن النشاطات في هذا المجال يوضح السيد أيمن وجود تواصل بين بعض الأمانات والوزارة للتعامل مع اللاجئين في تركيا لتسجيل الولادات والزيجات، وقد رفعت الحكومة المؤقتة طلباً لإقامة مقرات لها في أماكن تواجد اللاجئين ولكن لم ترد الحكومة التركية عليه حتى اللحظة، وسبب التأخير ليس التقصير من الحكومة المؤقتة أو من تركيا وإنما السبب هو القرارات السياسية المتعلقة بالاعتراف بالحكومة المؤقتة.
وفي كل الأحوال مازالت مشكلة المواطن السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام دون حل، فهو لا يستطيع إلى الآن الحصول على وثائق تثبت وضعه المدني، أو تثبت وجود أطفاله، وقد اجتمع تعنّت النظام السوري وفوضى المناطق الخارجة عن سيطرته مع عدم الاعتراف بالحكومة المؤقتة لتعوّق جميعها إمكانية تسجيل السكان في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لوقائعهم المدنية التي تثبت أوضاعهم القانونية.
التعليقات متوقفه