بين “شارلي إيبدو” وشبيهاتها – علي الحريث
تكرّرت في السنوات الثلاثين الأخيرة عمليات استهداف مجموعات إسلامية لمصالح عامة في الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، كانت هذه العمليات في المجمل نتيجة لحالة الحقد المكبوت عند أجيال العرب والمسلمين التي تربت على كره الأوربيين الذين قامت دولهم بسرقة ثروات الدول التي خضعت للاستعمار في القرنين الماضيين لتستخدمها هذه الدول لبناء الحضارة المعاصرة على حساب تخلف العالمين العربي والإسلامي.
كان الرد على هجمات المجموعات الإسلامية في الغرب دائماً ما يتجسد بشن حملات عسكرية على دول إسلامية اعتبرت حاضنة للقوى التي تهاجم المصالح الغربية، نتج عن هذه الحملات العسكرية في معظم الأحيان خسائر بشرية كبيرة من المدنيين ودمار كامل للبنية التحتية، كما حصل في أفغانستان والعراق والصومال والأراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها، لتقوم دول العالم الغربي بالرد على ما تصفه بالإرهاب الإسلامي بإرهاب شعوب بأكملها وتدمير بلدانها والقضاء على حضارتها.
في المظاهرة المليونية التي انطلقت في مدينة باريس بعد حادثة استهداف مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة تصدر القادة الذي حضروا المظاهرة للتعبير عن التضامن مع المجلة الفرنسية رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الذي يقود الدولة التي تمارس أعتى إرهاب مستمر ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستين عاماً مرتكبة مئات المجازر الكبرى ومتسببة بإبعاد أكثر من عشرة ملايين فلسطيني عن أرضهم بعد اغتصابها.
كانت المظاهرة المليونية في باريس تحت شعار دعم حرية التعبير، مع أن مجلة شارلي إيبدو الفرنسية التي نشرت الصور المسيئة للرسول الكريم نفسها قامت بفصل رسام الكاريكاتور الفرنسي موريس سيني «80 عاماً»، والملقب بـ(ساين) في شهر حزيران يوليو الماضي بعد رفضه الاعتذار عن رسم استهزأ به من ابن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يتهمه به بأنه اعتنق الديانة اليهودية لمصالح مادية، وينتظر ساين في هذه الأيام محاكمة بتهمة معاداة السامية والتحريض على الكراهية!
لم تقتصر ازدواجية المعايير في الغرب عند هذا الحد، فمنذ أكثر من عشرين عاماً قامت فنانة تشكيلية عراقية تدعى ليلى العطار برسم لوحة ساخرة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب الذي فرضت إدارته حصاراً على العراق لسنين طويلة تسبب بمقتل مليون طفل عراقي بسبب المرض والجوع، ليتم وضع اللوحة على أرضية مدخل فندق الرشيد الذي كانت تعقد فيه المؤتمرات الصحفية ويقيم فيه كبار زوار العاصمة العراقية بغداد في فترة حكم نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
أثارت قصة اللوحة التي وُضعت في مدخل الفندق ليدوس عليها كل من يدخله سخط الإدارة الأمريكية حينها، لتقوم طائرة أمريكية في ليلة 27 تموز/ يونيو عام 1993 بإطلاق صاروخ على منزل الفنانة العراقية الكائن في حي المنصور وسط بغداد لتُقتل مع زوجها إثر ذلك.
كرّر الإعلام العربي بشكل شبه يومي خلال السنوات الماضية نقل أخبار انتقادات المثقفين والسياسيين العرب لسياسة ازدواجية المعايير التي تستخدمها الإدارة الأمريكية في تحديد موقفها من الصراع بين حركات المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لكنه لم يتطرق إلى قضية ازدواجية المعايير في موقف الحكومات في الغرب من مبدأ حرية التعبير، خصوصاً مع تحول هذا الموضوع إلى شرارة أزمة قديمة متجددة بين العالم العربي الإسلامي من جهة والغرب من جهة ثانية.
لا أحد يعلم اليوم إلى أي مدى ستصل الارتدادات الناجمة عن هجوم باريس، لكن الجميع يعلم أن ثمة شرخاً يزداد يوماً بعد يوم وحقداً ينمو بين طبقات واسعة من المسلمين في العالم الإسلامي وأوربا من جهة وبين أوساط اليمين واليمين المتطرف في الغرب من جهة ثانية، سيدفع ثمنه أولاً العرب والمسلمون المقيمون في الغرب، وثانياً أبناء الدول التي تشهد اضطرابات وتواجد للجماعات الإسلامية حين تقرر الدول الكبرى مهاجمتها واجتياحها لتدمير ما تبقى منها!
التعليقات متوقفه