الزبداني.. عروس الآراميين وضحية الأسد – نور أحمد
في الزبداني يختلط عبق الجوري البري الخارج من بيوتها مع رائحة زهر التفاح والإجاص والجوز والتين القادمة من سهلها، يصفها المؤرخون بعروس الآراميين، تبعد 45 كم شمال غرب دمشق وتمتد على سفوح الجبال من سلسلة لبنان الشرقية التي تتصل بجبال القلمون شرقاً. والمدينة موغلة بالقدم ومأهولة منذ عهد الآراميين الذين منحوها اسمها من لغتهم فكلمة “زبد” تعني لب الخير بالآرامية.
تُعد الزبداني من المصايف القديمة والمعروفة فيقصدها السياح من كل مكان لجمال طبيعتها وهوائها العليل، حيث تتربع المدينة على سفوح الجبل وتمتد تحتها بساتين الفاكهة وينابيع الماء والمساحات الخضراء ما جعل هواءها العليل البارد صيفاً وثلوجها البيضاء شتاءً بمشهد ساحر؛ مقصد السياح في كل الأوقات.
بلغ عدد سكانها حولي 40 ألف نسمة تقريباً تصل في فصل الصيف إلى 100 ألف لكثرة السيّاح الوافدين إليها، ويعمل غالبية سكانها بالزراعة والمرافق السياحية، وافتتحت فيها في السنوات الأخيرة المتاجر الكبيرة لتخديم المدينة وتعزيز السياحة فيها بالإضافة للمطاعم والفنادق والمقاهي.
تشتهر المدينة بقلاع تطلّ عليها من أعالي التلال، منها قلعة الكوكو وقلعة التل الباقيتين إلى اليوم وقلعة الزهراء التي اندثرت، وينبع من وديانها نهر بردى لينطلق نحو دمشق وتجاورها بحيرة زرزر المحتجزة خلف سد زرزر.
وأصبحت الزبداني في الفترة السابقة للثورة مخدمة بمقسم هاتف ومدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية ومشفى حكومي “مشفى الزبداني” والمعروف للأهالي بمشفى الجرجانية ومستوصفين.
تتبع للزبداني إدارياً بلدات بلودان وسرغايا ومضايا والروضة وحوش بجد وقرى وادي بقين التي تشتهر بنبعها الذي تصدر مياهه المعدنية إلى خارج سوريا.
في 25 آذار عام 2011 انطلقت شرارة الثورة في الزبداني حين اتخذ المتظاهرون ساحاتها مكاناً للاحتجاجات فكان جامع الجسر وساحته الكبيرة نقطة انطلاق للشباب الثائر. وفي مركز الساحة دوار صغير فيه شجرة حوّلها الثائرون لـ”شجرة العز” فزينوها بصور الشهداء الذين قتلهم النظام في المظاهرات السلمية.
وفي شباط عام 2012 اجتاحت قوات النظام المدينة، لتدوس بالدبابات “شجرة العز” وتحرقها مع صور الشهداء المعلقة عليها.
بعد ذلك بفترة، خرجت قوات النظام إلى أطراف الزبداني وأنشأت الحواجز العسكرية على مداخلها، فقام الشباب الثائر بصنع مجسّم للسيف الدمشقي وضع مكان شجرة العز، الأمر الذي استفزّ قوات النظام التي بدأت على إثر ذلك بإرسال التهديدات بحرق ساحة الجسر وقصف المكان بالمدفعية.
تسبب ذلك بخلافات بين الأهالي فمنهم من طالب بازالة مجسم السيف الدمشقي تجنباً لقصف المدينة ومنهم من أصرّ على إبقائه لأن النظام حين يريد قصف المدينة لن يمنعه عدم جود مجسم السيف الدمشقي فيها.
بعد ثلاثة أشهر من تهديد النظام بدأ قصف الزبداني بالمدافع ما أسفر عن سقوط شهداء مدنيين، فتسلّل شبان من سكان المدينة لساحة الجسر ليلاً وأقدموا على حرق السيف الدمشقي ظناً منهم أن القصف سيتوقف ويحقنوا دماء الناس، لكن النظام واصل حصاره وقصفه للمدينة ومازال إلى اليوم يواصل حربه عليها.
أصبحت الزبداني خاوية على عروشها حيث هجرها أهلها ولم يبقَ اليوم إلا 1500 شخص آثروا البقاء فيها ورفضوا النزوح.
ما زالت المدينة إلى اليوم تُقصف بالبراميل المتفجرة التي حرقت سهلها الأخضر وهدمت منازلها القديمة الجميلة وحولتها لأكوام من الركام، وقدمت المدينة إلى اليوم أكثر من 600 شهيد وأكثر من 800 معتقل.
التعليقات متوقفه