معرة النعمان حاضنة التاريخ والثورة – فرحات أحمد
معرة النعمان هي أكبر حواضر ريف إدلب وهي الثانية من ناحية عدد السكان في محافظة إدلب بعد مدينة إدلب، أكسبها موقعها المتوسط على بعد 80 كيلومترا جنوب حلب و60 كيلومتراً إلى الشمال من حماة شهرة وأهمية نافست بها مدينة إدلب البعيدة عن طريق حلب دمشق، وأصبحت المعرة مقصد أبناء الريف الإدلبي ففيها أسواق شتى تعج بالناس كسوق البازار الذي يعقد بيوم السبت من كل أسبوع.
تعد المعرة من المدن السورية المغرقة بالقدم شهدت أحداثاً كثيرة عبر تاريخها الطويل وحروباً دامية وغزو الآشوريين واليونانيين والبيزنطيين والفرس والرومان، ويرجح أن المعرة قد قامت في موقع (عرّا) القديمة الواقعة على طريق قنسرين حماة؛ وذلك لتكون محطة للقوافل العابرة من حماة إلى حلب ومن منطقة الغاب والبحر إلى بادية الشام وبالعكس، ويذكر أن عدة أعمدة قديمة قد تم اكتشافها فيها.
اشتهرت المعرة بصناعاتها اليدوية التقليدية كصناعة السلال وبيوت الشعر والفخار والخزف والصابون وغيرها واشتهرت المعرة أيضاً بقلعتها وبمساجدها كمسجد أويس القرني وخاناتها القديمة كخان مراد باشا وبأسواقها المسقوفة التي تشابه الأسواق القديمة بحلب ودمشق، وتعاقبت على معرة النعمان الحضارات الرومانية والبيزنطية ثم دخلها المسلمون وأخذت شهرة كبيرة في عهد الدولة العباسية.
ويعتبر بناء المركز الثقافي العربي بالمعرة من الأبنية الأثرية الهامة والجليلة فيها؛ لما يمتاز به هذا المبنى من طراز معماري فريد غني بزخارفه البديعة، وقد بني في الأربعينيات من القرن الماضي على مساحة قدرها /500/ متر مربع البناء في وسط شارع أبي العلاء, ويطل على الشارع الرئيسي بواجهة معمارية مؤلفة من مدخل بقنطرة مرتفعة ترتكز على عموديين من الحجر, ومن ثم يؤدي المدخل إلى باحة مكشوفة يرى فيها ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة.
وفي المعرة نسبة كبيرة من المثقفين وحملة الإجازات الجامعية وفيها صرح علمي كبير هو معهد الإمام النووي الشرعي الذي أسسه الشيخ الراحل الشيخ أحمد الحصري.
لم تتأخر معرة النعمان في الالتحاق بركب الثورة حيث سارع ابناء المعرة إلى التظاهر في الشهر الرابع عام 2011، وساهمت مراكز النظام الأمنية في قمع المظاهرات وبالتزامن مع خروج مظاهرات أخرى في أريافها تم التنسيق بين المتظاهرين على اتخاذ المعرة مركزا لمظاهراتهم وفي جمعة العشائر في الشهر الثاني للثورة توجه عشرات الآلاف من المتظاهرين ليحتشدوا في المعرة ويطردوا عناصر الأمن من المدينة فأرسل النظام مروحية أطلقت نيران رشاشاتها لتفريق المتظاهرين وكانت هذه المرة الأولى التي يستخدم بها النظام الطيران لتقوم المروحية بعدها بقصف القصر العدلي في المعرة بصاروخين أحرق فيهما السجلات ودمر أحد الجدران.
عندها حشد النظام قواته من حماة إلى المعرة وقطع أوصال المدينة بعشرات الحواجز وعزز من قوته في وادي الضيف ليصبح أكبر معسكرات النظام في الشمال السوري، فحمل الثوار للسلاح وحاولوا في مرات عديدة تخليص المعرة من قوات النظام لكن محاولاتهم باءت بالفشل، عانى أهل المعرة من بطش قوات النظام التي كانت تعتقل الناشطين وتنكل بهم وبدأت أزمة النزوح حتى توزع أهل المعرة على كل مناطق ريف إدلب، وفي الشهر الثامن من عام 2012 اتحد ثوار المنطقة لتحريرها من قوات النظام فتم لهم ذلك وانحسرت قوات النظام إلى معسكري وادي الضيف والحامدية وهنا بدأت مأساة جديدة فقد وجهت قوات النظام فوهات مدافعها نحو المدينة لتذيق أهلها الويلات وتدمر نسبة كبيرة من المعرة.
حاولت قوات الثوار السيطرة على معسكر وادي الضيف ومعسكر الحامدية الواقع جنوبه مرات عدة لكن المحاولات جميعا فشلت بسبب الإمدادات التي كانت تصل إلى قوات النظام من حماه فعملت قوات الثوار على قطع طريق الإمداد ليطول الحصار على قوات النظام في المعسكرين قبل أن يسقطا بشكل كامل في شهر كانون الأول الماضي.
وبعد تحرير المعسكرين قصف طيران النظام معرة النعمان بالحاويات والبراميل المتفجرة ما أدى إلى دمار كبير في أبنيتها وقد تعرض متحفها الذي يعد أكبر متاحف الفسيفساء في الشرق الأوسط لدمار واسع نتيجة استهدافه بالبراميل المتفجرة.
التعليقات متوقفه