انكشاف مناورة بوتين في سوريا – فيتالي فيديانين (صحفي أوكراني)
بعد خمسة أشهر ونصف من بدء الطائرات الروسية المهام القتالية في الجمهورية العربية السورية قرر رئيس روسيا أن وزارة الدفاع والقوات المسلحة الروسية “أكملت الأعمال الموكلة إليها بشكل عام”. وحسب قوله “إن الجيش السوري و القوى الوطنية السورية و بمشاركة الجنود الروس حققوا انجازات ملموسة في مكافحة الإرهاب الدولي وحازوا على زمام المبادرة تقريبا في كل الاتجاهات بالاضافة إلى تهيئة الظروف المناسبة لعملية السلام”. ووجه بوتين وزارة الدفاع ببدء سحب “الجزء الرئيسي من المجموعة العسكرية الروسية” من سوريا.
بيان روسيا حول انسحابها من سوريا يستحق النقاش حتى أكثر من إعلان الكرملين بداية الضربات الجوية الروسية في هذا البلد العربي في نهاية سبتمبر/أيلول 2015. على الرغم من أن الروس قالوا منذ اطلاق العملية أنها سوف تستمر 3-4 أشهر، المجتمع الدولي لديه ثقة قليلة بكلام موسكو، و هو محق في ذلك إذ أن العملية التي وصفها بوتين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بأنها تهدف إلى “ترسيخ استقرار السلطة الشرعية في سوريا و البحث عن تسوية سياسية” لم تنته بعد، العملية مستمرة لكنها انتقلت إلى مرحلة أخرى.
ومن أجل إدراك الموضوع علينا أن نفهم بوضوح تام أننا نتحدث عن انسحاب جزئي للقوات الروسية و ليس عن انسحاب كامل. روسيا هي الوحيدة التي تحدد عدد قواتها التي ترجع إلى ثكناتها أو عدد جنودها الذين يتم تبديلهم، علاوة على ذلك يعلن الجانب الروسي استعداده لزيادة عدد القوات الروسية في سوريا خلال بضع ساعات إذا لزم الأمر. و بالفعل يمكن القيام بذلك لأن اصدار القرار الجديد لمجلس الاتحاد (البرلمان الروسي) حول استخدام القوات المسلحة في سوريا غير ضروري هذه المرة. و قال بوتين بوضوح أن القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في حميميم وأنظمة الدفاع الجوي فيها سوف تعمل كالعادة، و هذا الشيء مفهوم لأن أعمال التحديث الكبيرة وصيانة مطار حميميم أجريت بهدف استعماله بشكل طويل المدى.
ومع ذلك، منذ بدء العمليات العسكرية نشرت روسيا قواتها في أماكن كثيرة ما زالت موجودة بها إلى الآن، على سبيل المثال تتمركز القوات الروسية في القواعد الجوية العسكرية في مطار الشعيرات ومطار طياس في ريف حمص الشرقي و هذه مطارات مناسبة لاقلاع طائرات ومروحيات عسكرية ومناسبة لصيانة الطائرات. مطار طياس العسكري من أكبر المطارات العسكرية في سوريا حيث يحتوي على 54 حظيرة اسمنتية وله مدرج رئيسي طوله 3.2 كم. كما أنه محمي بشكل مثالي من جانب الطبيعة نفسها إذ لا يوجد بقربه شيء إلا طريق تدمر و الصحراء وهناك رأينا بالفعل الروس والمروحيات الروسية.
ويمكن مراقبة القوات الروسية أيضاً خارج المطارات العسكرية، حيث تتمركز وحداتها في المدن الاستراتيجية الأخرى بما في ذلك حمص (المدينة الرئيسية تقع على الطريق المؤدي من دمشق إلى اللاذقية)، والقصير (بالقرب من الحدود السورية اللبنانية) وجورين (البلدة الهامة على مفترق طرق في سهل الغاب الذي يفصل بين قاعدة نظام بشار الأسد الشعبية في محافظة اللاذقية عن المحافظات الأخرى). و ابد من ذكر مدينة عفرين التي تسيطر عليها القوات الكردية شمال حلب. فالقوات الروسية موجودة هناك لتقديم المساعدة اللازمة للأكراد.
اخترعت روسيا الحجة لتفسير وجود قواتها في أماكن مختلفة على أراضي سوريا، حيث قال بوتين أن الجنود المتبقين بسوريا سيقومون بمراقبة وقف إطلاق النار، وفي حال وقوع أي حوادث “غير سارة و مفاجئة” سيتدخل الروس، ولدى الجانب الروسي غطاء معلوماتي كافي لتبرير وجود جنوده في مكان محدد، و في الوقت نفسه يتأخر عقد الإتفاق بين الولايات المتحدة و روسيا بشأن الرد على انتهاك شروط وقف إطلاق النار إذ هددت روسيا بالرد من جانب واحد على حوادث إطلاق النار وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار الهدنة.
ستبقى القوات الروسية في سوريا لفترة طويلة و الإعلان عن انسحابها كان حملة إعلامية جيدة فقط. ومع ذلك بوتين لا يكذب إذ يقول “أن الجنود الروس نفذوا مهمة في هذه المرحلة”. بفضل العملية العسكرية الروسية وعدم استعداد إدارة أوباما لاتخاذ إجراءات مناسبة رداً على هذه التحركات الروسية تمكنت موسكو من تغيير توازن القوى في سوريا. وتقدمت القوات الحكومية وعززت مواقفها من خلال استعادة السيطرة على عدد من البلدات.
و بالتحديد في هذه الظروف اعتمد مجلس الأمن للأمم المتحدة القرار رقم 2254 الذي ينص على اجراء المفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية و التي ينبغي أن تؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة الموثوقة وغير الطائفية بالاضافة الى إعداد دستور جديد وإجراء الانتخابات العامة خلال 18 شهرا. و لا نجد في نص القرار و لا كلمة واحدة عن الرئيس السوري بشار الأسد.
تشعر المعارضة السورية باليأس إذ تعتبر اسقاط الرئيس السوري من أهم أهداف للثورة. وعلى هذا الأساس كان قرار مجلس الأمن بالنسبة لموسكو نصراً.
الكرملين لم يرفض العملية الانتخابية في سوريا أبداً حيث يعرف جيداً أن من المستحيل إجراء الانتخابات الشفافة خلال المدة المحددة في البلاد بعد خمس سنوات من الحرب الدامية بغض النظر عن شرط رعاية الأمم المتحدة. لذلك قال بوتين إن “عندما سيتم إجراء الانتخابات الديمقراطية، الأسد قد لا يحتاج الذهاب إلى مكان ما”. و العالم كله كان شاهد كيف يفهم الروس العملية الديمقراطية خلال “الاستفتاء” في شبه جزيرة القرم والآن موسكو لا تمانع تكرار هذه التجربة في إقليم دونباس الذي تحتله شرق أوكرانيا.
وفي الوقت نفسه يحاول مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تقريب مواقف المعارضة و النظام في جنيف بشأن صيغة الفترة الانتقالية. حتى الآن لا تزال العملية في طريق مسدود صريح. المعارضة نفسها ليست لها لغة مشتركة ولا يمكن أن يكون بشكل آخر إذ تتكون المعارضة من الهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في الرياض و “مجموعة موسكو – القاهرة” و “مجموعة حميميم”. حتى من الأسماء تبين أن الروس يقومون ليس فقط بدعم السلطات السورية ولكن أيضا انضموا الى تشكيل المعارضة.
ومن الواضح أن الاختراق لن يتحقق في الجولة الأولى من المحادثات في جنيف وأمامنا جولات أخرى. سوف تحدد نتائجها ما إذا كان تصعيد آخر للنزاع في سوريا.
وإذا أخذنا بعين اعتبار عملية مينسك العسكرية شرق أوكرانيا نحن نعلم بالضبط أن روسيا تلجأ الى أعمال العنف إن كانت الأساليب السياسية غير فعالة و من ثم تجلس بسهولة على طاولة المفاوضات.
تعتقد المعارضة السورية بسذاجة أن تصريحات بوتين حول انسحاب القوات هو ضغط من موسكو على الأسد وستواصله حتى قبول النظام شروط المجتمع الدولي. بطبيعة الحال روسيا بامكانها ممارسة الضغط على الأسد ولكن من أجل تحقيق مصالحها الخاصة فقط التي تستهدف ضمان سلامة المواقف الروسية في سوريا، وهكذا يكون من غير المرجح أن الروس يخترعون شيئا جديدا في سوريا.
لو فشلت مفاوضات جنيف لضغطت روسيا بقواتها حيث تواصل القواعد الروسية عملها بشكل يجعل موسكو مستعدة في أي لحظة لتقديم المساعدة للسوريين في “مكافحة الإرهاب”. حتى قبل تصريح بوتين عن سحب القوات من سوريا قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 3 فبراير/شباط في مسقط إن الضربات الجوية الروسية لم تتوقف حتى تحقيق فوز على منظمات داعش و جبهة النصرة الإرهابية.
و تشير خرائط وزارة الدفاع الروسية إلى وجود مسلحي داعش و جبهة النصرة حتى في الأماكن حيث لا وجود لهم. هنا نشاهد نزعة مثيرة للاهتمام، تعلن روسيا بكل الوسائل سعيها للقيام بمكافحة فعالة ضد داعش في سوريا و لكن مسلحي المنظمة لم يظهروا أنفسهم في روسيا. و في نفس الوقت من المعروف أن العديد من المواطنين الروس يقاتلون في صفوف داعش. و بالعكس إن الأوروبيين يحاولون إخفاء أنشطتهم ضد داعش في سوريا و لكن على مدى العامين الماضيين نفذ مقاتلو داعش عددا من الهجمات الإرهابية في دول الاتحاد الأوروبي. بطبيعة الحال لحسن الحظ لم يرتكب أنصار داعش الأعمال الإرهابية في روسيا ولكن ليس هناك أي إشارات حول نمو شبكات داعش في روسيا أو الكشف عن هذه الشبكات.
بصراحة يبدو غريبا أن الهجوم الارهابي وقع في بلجيكا عشية زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري الى موسكو. في هذه الظروف من الواضح أن الحوار ركز على مكافحة الإرهاب في أوروبا و حل القضية السورية. أما موضوع العدوان الروسي في أوكرانيا تم تهميشه وهو الأمر الذي يصب في مصالح الكرملين. من حيث المبدأ فإن الحملة الروسية العسكرية بأكملها في سوريا تهدف بشكل أساسي إلى تحويل الانتباه الدولي عن أوكرانيا.
بشكل مأساوي وقع الشعب السوري رهينة في ألعاب الكرملين. خلال مراسم منح جوائز حكومية لجنود روس شاركوا في الحملة السورية لم يخفي بوتين أن سوريا أصبحت مختبرا لتجريب استخدام قتالي للأسلحة الروسية.
في أوكرانيا يدركون جيدا هذا الوضع لأن الشعب الأوكراني في دونباس و شبه جزيرة القرم وجد نفسه في حالة مماثلة. هذه صفعة في وجه المجتمع الدولي الذي يناشد باستمرار بالإلتزام بالقانون الدولي على الرغم من أنه عاجز في الحالات الحرجة حقاً عن تطبيق هذا القانون.
*مترجم عن جريدة “مرآة الأسبوع” الأوكرانية ، لمطالعة المادة باللغة الأوكرانية اضغط هنـــا
التعليقات متوقفه