فن الغربلة – عبد العزيز الموسى
فن الغربلة
عبد العزيز الموسى
الغربلة ليست اتهاماً لمقام أو شخص, الغربلة هي رؤية محذِّرة من الزلق وانحراف المراد عن طبيعته إلى حيث لايصب في صالح كونك محسوباً على جداول السماء. عندما تضع إصبعك وتقول للمهندس الذي يهندس: هنا خلل وعليك أن تغيّر المواصفات فوراً, فأنت بذلك تسدي له فضيلة يفترض, من باب الذوق أن نقول إنه لم ينتبه لها، والإصرار عليها وعد بكارثة لاحقة. نحن لم نعتد على من ينتقص من عبقريتنا الفذة لأن عبقرياتنا كلها ولدت في ظل السيف والقتل ومناخات البارود ونزعة الإلغاء والقصل. أما المناقشة والمحاورة والصالح العام والرؤية البعيدة والحكمة وما إلى ذلك فهي لا تعدو فذلكات ليس وقتها! ياللإلهام. فوهة الموت الفاغرة وحدها التي يحق لها أن تتكلم, ما عداها متهم ومشبوه!
نحن أمهر أمم الأرض في تمريع الأنانيات والأهواء الخاصة ولدينا قاموس طويل عريض لتسفيه الآخر وإخراجه من جادة الفعل وحقه في العيش والبقاء, والنظام استثمر هذه القابلية.
أقول لكم: هذه مدرسة النظام الذي يملك أدوات القهر والموت والذل والمهانة ولأنه قادر على أن ينحيك عن جادة البشر, هذه عدته, لا تكرروا مهاراته, إياكم والوقوع في الفخ, حاولوا أن تنظفوا ثيابكم ونفوسكم من القش والعيدان والزيوان وحبات الحصى والتراب العالق, هزوا الغرابيل نعم لكن لا تتوقفوا عن الهز, عندها تضعون أقدامكم على الدرجة الأولى من مؤشرات وجودكم. إنسانيتكم كلها على المحك فلا تكونوا عوناً للآخر الممعن في القتل والطحن وأنتم تتشادّون على الطريق التي ستقلّنا للمحطة التالية. أنتم بذلك تهيئون لفنائكم قبل الولادة، وتحكمون على مصائركم بالزوال، وتضعون رقاب الناس تحت مرمى صواريخ الموت وقذائفه وطائراته مجاناً. الغربلة سر البقاء أولاً وتصحيح المسار ثانياً نحو الأمام فقط هذه المرة، لا نحو الوراء.
التعليقات متوقفه