ترحيل سوريين من تركيا ترك أمهات وحيدات بمواجهة الحياة
ترك ترحيل سوريين من تركيا أخيراُ الكثير من النساء السوريات في مواجهة مصاعب الاهتمام بالأسرة وتوفير الدخل لها، وتحملت الأم أعباء كانت تتقاسمها مع الزوج، من رعاية الأطفال والعمل لتوفير لقمة عيشهم، كما أفقد العوائل الاستقرار لا سيّما العوائل التي بدأت بمرحلة تأسيس الذات، وكانت وصلت البلاد منذ أكثر من 5 سنوات، ولديها أبناء في المدارس وآخرون في الجامعات.
رانيا أم خالد لديها خمسة أطفال تقيم في مدينة أنطاكيا بولاية هاتاي جنوبي تركيا، تروي لـ”الغربال” تجربتها مع ترحيل زوجها إلى سوريا، وتقول “كانت عائلي مستقرة، أولادي في المدارس، كبيرهم في الصف الخامس، نعيش بنوع من الهدوء والحياة المنتظمة، زوجي لديه بقالية، في نهاية شهر مارس/ آذار، هزت حادثة حياتنا وقلبتها رأسا على عقب، اعتقل زوجي من المنزل بطريقة قاسية للغاية، وكان ذلك أمامي وأمام الأطفال. لم نكن نعرف السبب، فقد اقتحمت الشرطة حينها المنزل وأخذوه إلى مكان غير معلوم، وبعد احتجازه لعدة أيام، علمنا من المحامي أن تقريراً كيدياً هو السبب، وتمّ ترحيل زوجي بسببه إلى سوريا.
تضيف أم خالد “عندها ضاقت الدنيا بي، لم أكن أعرف ما الذي يتوجب عليه فعله، وكيف يمكن لي تدبر أمور المصاريف، أخذ أحد أقارب زوجي على عاتقه متابعة العمل في البقالية، وكان ابني يعمل فيها أيضاً، لكنه غير قادر على نقل صناديق الخضار، والأشياء الثقيلة. لكن بعد مدة انهار العمل، ولم يعد يوفر لنا أي دخل، فطلب زوجي منا إغلاق البقالية، وأن ننتظر حتى إيجاد حل يمكنه من العودة، لكن كل الحلول باءت بالفشل حتى العودة عن طرق التهريب، نظراً لخطورتها وتكلفتها التي تصل في بعض الأحيان إلى 1500 دولار.
ازداد حمل الحياة عليّ، وهنا حصلنا على بعض المساعدة من أقارب زوجي، لكن الأمر لن يدوم طويلاً فلست قادرة وحدي أن أتحمل أعباء القيام بأسرة فيها خمسة أطفال، بحسب تعبيرها.
الخيار الأفضل أمام أم خالد هو مغادرة تركيا كما قالت، لكن بسبب جائحة كورونا لم تكن قادرة على المغادرة في تلك الأثناء، وبقيت مقيمة في تركيا حتى رفعت قيود السفر بشكل جزئي، ثمّ غادرت الأراضي التركية نحو سوريا، مضيفة “نحو عام كامل عشت وحيدة، ساعدني فيها الأقارب وواجهت الكثير من الصعوبات، كنا نعيش حياة مستقرة، وأولادنا في المدارس، الآن أعيش في منطقة عفرين بريف حلب وبدأت حياة أخرى مع زوجي ولا نعرف أين نسير”.
يتم ترحيل الأجانب الخاضعين للحماية المؤقتة من تركيا، وفق المادة 54 من قانون الأجانب والحماية الدولية، تحت البنود التالية، الداعمين أو الأعضاء في المنظمات الإرهابية، حاملي الوثائق المزورة والمعلومات غير الصحيحة في تأشيرة الدخول والإقامة، إضافة إلى كسب المال بطرق غير شرعية وقانونية.
ورحّلت السلطات التركية سوريين من ولاية إسطنبول خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ضمن حملات لا حقت فيها السوريين من غير حاملين بطاقة الحماية المؤقتة، وحتى حاملي البطاقات من ولايات أخرى غير اسطنبول، دون النظر في إمكانية أن يكون حامل بطاقة الحماية معيلاً لأسرته أو النظر في ظروف الأسرة بشكل عام.
كانت أمل العيسى تقيم برفقة زوجها وطفليها بمدينة إسطنبول منذ حوالي ستة أعوام، كما تقول لـ”الغربال”، لكن منذ خمسة أشهر ألقي القبض على زوجها من قبل الشرطة، وكان من المقرر ترحيله إلى سوريا، وتمّ ترحيل الزوج تم ترحيله إلى ولاية شانلي أورفا التي استخرج بطاقة الحماية المؤقتة منها في الأساس.
تضيف “أمل” أمضى زوجي قرابة شهرين يبحث عن منزل في أورفا لنقيم فيه، في هذه الفترة كنت أواصل عملي في معمل للجوارب قريب من المنزل، بأجر اسبوعي لا يتجاوز 350 ليرة، أعمل نصف نهار فقط، وأترك في ذلك الوقت أولادي تحت رعاية جارة لي، في أورفا بدأنا الحياة من الصفر” بهذه العبارة تختصر المعاناة التي مرت بها مع زوجها “كان العمل متوفراً في إسطنبول، كنا نعمل أنا وزوجي، هو يعمل بدوام كامل وأنا أعمل نصف يوم حسب الظروف التي نمر بها. حالياً وضعنا صعب للغاية، فأجور العمل هنا قليلة مقارنة بالعمل السابق لزوجي، بالرغم من صعوبة المعيشة في إسطنبول إلا أن العمل كان متوفراً وكنا نعيش نوعاً من الاستقرار، واعتدنا الحياة التي كنا نعيشها، لكن في الوقت الحالي نحتاج مدة طويلة للتأقلم. أرجو أن يحصل زوجي على عمل أفضل من العمل في الإنشاءات ولو بأجر قليل في الوقت الحالي”.
يواجه السوريون في تركيا حملات تحريض متكررة ضدهم، غالباً ما تترجم على الأرض بحملات تفتيش تنتهي بالترحيل الداخلي ضمن الولايات التركية، أو الترحيل لمناطق الشمال السوري، ما يؤثر على استقرار الأسر في حال ترحيل المعيل، خاصة الزوج، ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة يوجد على الأراضي التركية نحو 3.6 مليون لاجئ سوري، معظمهم يحملون بطاقة الحماية المؤقتة.
وفيما يخص قضايا الترحيل، يقول الناشط الحقوقي عبد السلام الحمصي لـ”الغربال” أن هناك مشكلة مرت بها الكثير من العوائل السورية خاصة المقيمة في إسطنبول، حيث شهدت الولاية حملات ترحيل عديدة كان اقلها قسوة الحملة الأخيرة قبل عدة أشهر، والتي أعيد فيها السورين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة من غير ولاية إسطنبول إلى الولايات التي استصدرت بطاقاتهم منها. على عكس الحملات السابقة، التي تم فيها الترحيل إلى الشمال السوري بشكل مباشر.
ويضيف أن الترحيل يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان، يتمثّل بنقل إنسان إلى مكان لا يرغب بالعيش فيه، أو نقله إلى مكان يشكل خطراً على حياته وحياة أفراد أسرته، وخاصة أن مناطق الشمال السوري تشهد قصفاً وتفجيرات وأعمالاً قتالية بشكل متكرر، وكثير من الموجودين هناك يرغبون بتركها.
ويؤكّد “الحمصي” أن معظم الذين تم ترحيلهم كانوا آباء ومعيلين لأسرهم، وترحيلهم أجبر النساء على تحمل أعباء لا طاقة لهنّ بها، وهذا الأمر دفع بعض العوائل للاعتماد على أبنائها في توفير الدخل، وحرمهم من إتمام التعليم، كما أجبرت العديد من العوائل أن نعود إلى سوريا، حيث يقيم الزوج لعدم قدرتها على الصمود أمام متطلبات الحياة. وكلّ هذا كان يقع في الدرجة الأولى على عاتق الأمهات”.
وبحسب الناشط فإن المنظمات العاملة في تركيا، لم تكن تضع في حسبانها هذه الحالات، وجميع نشاطاتها موجهة للداخل السوري، ومعظم المساعدات التي قدمت لهذه العوائل تمثّلت بمساعدات من شخصيات ومن منظمات صغير وعلى نطاق ضيق، وإذا أرادت السلطات التركية تلافي هذا الأمر، فينبغي أن تخضع المخالفين لقانون عقوباتها لا أن ترحلهم، وأن تضع في حسبانها وجود أطفال ونساء لدى هذه العائلات، وتسليم قوائم إسمية بها للهلال الأحمر أو المنظمات الأخرى.
ويتنافى الترحيل مع ما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي قال إن “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada‘‘
التعليقات متوقفه