سوريات عاملات في تركيا يتعرّضن للمضايقة والابتزاز
تواجه العاملات السوريات المياومات في تركيا، اللواتي يعملن في جني المحاصيل الزراعية خاصة وفي المطاعم ومحلات بيع الجملة، صعوبات كثيرة من حيث الحصول على أجورهن من أرباب العمل، إضافة للمشقة الجسدية وصعوبة التوفيق بين العمل ومتطلبات الأسرة، إذ يقضين ساعات طويلة خارج المنزل، والطرق إلى الأراضي الزراعية تستغرق وقتاً ليس بالقصير.
خديجة كرّو سورية (27 عاماً) تقيم في مدينة الريحانية جنوبي تركيا، تتحدث عن معاناة العمل اليومي في الأراضي الزراعية، وتقول لـ”الغربال” أتنقل في الأعمال الزراعية حسب الموسم، أعمل في تعشيب البصل، وإزالة الأعشاب الضارة بين الأشجار بالفأس، وفي موسم البازلاء، أعمل أيضاً في جنيها، وفي هذا الموسم بالذات كنت أستيقظ في الساعة الرابعة صباحاً، أجهز طعامي من أجل استراحة الظهيرة، التي تكون عند الساعة الثانية عشرة، وغالباً ما تكون من البيض والبطاطا المسلوقة”.
وتضيف “في الساعة الخامسة تقريباً تكون الحافلة أمام المنزل الذي أقيم فيه، أركب رفقة العاملات، يكون الجو بارداً صباحاً، أغفو قليلاً في الحافلة المكتظة والمزدحمة، التي يركب فيها ضعف العدد الذي تستوعبه غالب الأوقات، نحتاج قرابة الساعة لبلوغ الأرض التي نعمل فيها. عند الوصول نتجهز، نكون مجموعة من ثلاث أو أربع إناث، منهن من هي أصغر مني عمراً، ومنهنّ من هي أكبر مني، نقلع الكثير من البازلاء وبعدها نقوم بقطف القرون وجمعها في كيس شبكي أحمر”.
وتتابع “مع انتهاء يوم العمل، يزن الشاويش ما جنيناه من البازلاء في الأكياس، ويدون لديه في دفتر وزنها. العمل متعب للغاية لكن الأكثر صعوبة هو تحصيل أجرة العمل، فالشاويش يتأخر في تسديد الأجور كثيراً، وكثيراً ما تحدث المشاكل خلال العمل، إذ لا نستطيع التغيب عن العمل، وإذا تغيّبنا قد نحرم من الحصول على أجرة باقي الأيام، يطلب منا الشاويش أيضاً القيام بأعمال إضافية كتحميل وتنزيل بعض الأكياس ذات الوزن الثقيل، وكل ذلك دون مقابل”.
عملت خديجة خلال فصل الصيف في تجفيف عناقيد العنب أيضاً، كانت ساعات العمل طويلة كما بينت، وتقولو “عملت في جني الزيتون خلال شهر تشرين الثاني، كان العمل جيداً، والحساب على الوزن أيضاً، أما في الوقت الحالي فأعمل في قطاف الحمضيات، أرجو أن ينصفونا بساعات عمل أقل، فالعمل لمدة عشر ساعات مرهق جداً والأجور متدنية، فالعمل في جني البرتقال يوفر لنا خلال الموسم أجرا وقدره 90 ليرة تركية، والذهاب للأرض الزراعية يستغرق وقتاً، نمضي نحو 12 ساعة بالمجمل منذ الخروج من المنزل حتى العودة”.
يعود العمل في الأراضي الزراعية بأجور قليلة على النساء السوريات، وغالباً ما يعرضهنّ للاستغلال من قبل أرباب العمل، في بيئة يصعب فيها تحصيل الحقوق، لعدم وجود قانون يحميهن ويضمن لهن الحصول على أجورهنّ بشكل كامل.
في مدينة إسطنبول، توجهت معظم النساء السوريات المجبرات على العمل إلى معامل الألبسة، التي توفر فرص عمل بظروف استثنائية، كما تبين سميرة، وهي أم مطلقة تعيل طفلها في الوقت الحالي، وتؤكد لـ”الغربال” أن العمل طويل في المعمل، فمدة العمل تصل إلى 12 ساعة يومياً، والطريق إلى العمل يحتاج وقتا أيضاً.
وما تعاني منه سميرة أيضاً صعوبة إيجاد وقت للاهتمام بطفلها الذي يتجاوز عمره حالياً 4 سنوات، وتقول “أحياناً أعمل نصف يوم، أكون متعبة وأحاول تفريغ بعض من الوقت لطفلي، الأجر قليل، والأجر حسب ساعات العمل شهرياً، ويوم التغيب عن العمل غير مأجور أيضاً. المرض غير مبرر وكذلك الظروف الطارئة الخارجة عن سيطرتي، ليس لدي تأمين عمل أو إذن عمل حتى، لا يمكنني أخذ استراحة، فهناك مصاريف الروضة والمنزل. في المقابل أنا مبعدة عن ابني أغلب الوقت كون أقاربي يهتمون به”.
وترى سميرة أن هناك أموراً أساسية يجب أن تتوفر للنساء السوريات العاملات خاصة في معامل الألبسة، منها تعويضات العمل وإمكانية الحصول على إجازات مدفوعة، وعدم وجود طرد تعسفي أيضاً، لأنها مرت بتجربة مؤسفة حيث طردت سابقاً من العمل بسبب تأخرها لظروف مرضية. تقول “أرجو أن أعود لمقاعد الدراسة، فقد أنهيت المرحلة الثانوية سابقاً، لكن ظروفي لا تسمح لي اليوم، الحياة ظلمتني”.
تصريح العمل أو ما يعرف بإذن العمل، هو وثيقة يتم استخراجها والتقديم عليها من قبل صاحب العمل لموظفيه السوريين، الخاضعين للحماية المؤقتة أصحاب الكملك، يتيح لهم القانون التركي الحصول على تأمين صحي والحصول على الحد الأدنى من الأجور، لكن بسب عدم وجود سياسات متشددة يتهرب منه معظم أرباب العمل، كونه يحملهم مصاريف إضافية، ويمنعهم من استغلال العاملات، ويتيح لهنّ المطالبة بحقوقهنّ تحت غطاء القانون.
يوضح الحقوقي عمر بكور لـ”الغربال” أن هناك الكثير من العوائق القانونية التي تواجه العمال المياومين في تركيا، وخاصة النساء، فلا يوجد وثائق تضمن لهنّ الحصول على الحقوق والأجور، ولا يوجد عقود عمل رسمية، خاصة بمجال الزراعة. ويلفت إلى أن المطلوب في الوقت الحالي إيجاد آلية رقابة تتيح حصول النساء على حقوقهنّ، وتأسيس نقابات عمل لهنّ تنظم وتضبط العمل وتساعدهنّ في تحصيل الحقوق.
بدورها تقول نسرين الياسين المهتمة في قضايا المرأة لـ”الغربال” إن المهم في الوقت الحالي إيجاد برامج دعم للنساء السوريات العاملات في تركيا، ودعمهنّ بغطاء قانوني يمكنّهن من تحصيل حقوقهن، فضلاً عن إطلاق حملات توعية لمنع استغلالهنّ جسدياً أو حتى من ناحية الأجور، وتشجيعهنّ على تقديم شكاوى ضد أي طرف يسيء لهنّ. وهذا يسهم في استقرار النساء وتخطيهنّ للمشاكل اللّاتي يواجهنها.
وتختم بالقول “نرجو أن يكون هاك تعاون جدي بين المنظمات السورية العاملة في تركيا لدعم النساء العاملات، فهناك طالبات أبعدن عن المدرسة، ومنهن من تخلى عن الدراسة الجامعية بسبب الأوضاع المعيشية، وتوفير الدعم لهن يمكنهنّ من متابعة الدراسة والحصول على فرص أفضل في الحياة، والحلول إذا ما أرادت السلطات التركية تطبيقها موجودة في القانون، لكن لا توجد ضغوط لتطبيقه واقعاً عملياً”.
وأظهر مسح أجراه الهلال الأحمر التركي عام 2018 أن 92 في المئة من السوريين العاملين في القطاع الزراعي، يعملون بشكل غير رسمي، ومن دون ضمانات قانونية أو صحية.
وبحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية، بلغ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، 3.627.481 لاجئاً سورياً، 59.785 منهم يقيمون في المخيمات. ويقدّر عدد العاملين السوريين في مختلف المجالات بنحو مليون عامل، لا تتجاوز نسبة الحاصلين على إذن العمل منهم الـ10 بالمئة.
وتتنافى هذه الإجراءات مع ما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي قال إن “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada‘‘
التعليقات متوقفه