وعي جماهيري – د.سوسن جميل حسن
وعي جماهيري
د.سوسن جميل حسن
منذ انطلاقة الثورة السورية بدأ الوعي الجماهيري عند شعبنا يفصح عن نفسه، ويعطي إشارات ودلالات جلية وعظيمة تترجم مدى الاشتغال الذي تم عليه خلال عقود، من قبل النظام من جهة، ومن جهة أخرى من قبل المعارضة السياسية التي استمرأت التنظير والإقامة في السجون كعربون تضحية ومصداقية وعنوان لالتصاقها بالجماهير وحملها عن هذه الجماهير كل أثقال وأوزان همومها واهتماماتها وأحلامها وطموحاتها وإحباطاتها، فاعتكفت في أبراجها وراحت تؤلف الكتب وتراكم الأبحاث والنظريات، حتى وصل النضج (الانفعالي والعاطفي وليس العقلي) بشعبنا إلى درجة الانفجار والنزول إلى الساحات بمظاهرات سلمية.
كانت المؤشرات الأولى لهذا الوعي الجماهيري المتعوب عليه تظهر بإفادات المواطنين الذين تجري معهم الشاشات مقابلات (عالماشي) في شوارع المدن السورية، فيسبون على بندر ومخططه المؤامراتي، ثم على حمد ونزوعه الحاقد لتمزيق سورية المقاومة الممانعة، وعلى قناة الجزيرة وغيرها، لا يعني هذا أن كل ما قيل باطل، لكن الوعي الأكبر أيضاً تجلى في مطالب الشعب الذي عبر عنه بعض المتظاهرين في البداية وهو إلغاء قانون “الطوارق” لا “الطوارىء”، فالثقافة والتثقف والمثاقفة تقتضي التكلم بالفصحى القوية التي تمنح المتحدث بها سطوة خاصة وكاريزما آسرة.
وهكذا عوّل النظام ومن يدعمه، والمعارضة ومن يدعمها على الوعي الجماهيري، واشتغلا عليه من أجل رص الصفوف في المعركة الجبارة التي تجري على الأرض السورية، وبوقود من الشعب السوري.
ولجهة إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تمنح حزب البعث القيادة المطلقة للدولة والمجتمع، لم يكن الجمهور أقل وعياً، فبعد إقرار الدستور الجديد الذي أقرّ باستفتاء شعبي نزولاً عند رغبة الجماهير ومطالبتها بالإصلاحات التي سارع النظام ولبّاها محترماً إرادة الجماهير المنتفضة!.. فقد كان الشعب اكتسب خبرة ونضجاً أكبر بالنسبة للحياة السياسية، إذ ألزمت الحالة المتأججة في البلاد الجميع بأن يكون لهم رأي حول ما يجري في البلاد، فهذا يمليه الواجب الوطني بقوة!
كنت أستقل تاكسي قبل أيام من افتتاح المدارس، على التابلو أمام السائق ظرفان شفافان يحويان متمِّمات اللباس المدرسي الموحد في المرحلة الابتدائية: فولار برتقالي وسيدارة كحلية، مقتضيات العسكرة التي يجب التدريب عليها منذ نعومة الأظفار.
قال السائق، على عادة السائقين المتحدثين بغزارة مع الزبائن: الحمد لله، لاقيت لولادي فولار وسيدارات. وكان في غاية الغبطة والفرح. فأجبته بعفوية مطلقة: ليش ما ألغوا الطلائع؟
ركز الأخ مرآته الأمامية ونظر إلي فيها نظرة أربكتني بعمقها وكثافة المعاني التي تحملها، ورد علي بنبرة فيها من التأنيب والسخرية من جهلي: هادي طلائع البعث مو حزب، ليش حتى يلغوها؟
اقتنعت وقتها أنني أسأل أسئلة غبية، وأنني مدعية ثقافة، لست أكثر، وعليّ اتخاذ الدروس والعبر من الشارع وليس من صومعتي العالية والمتعالية!
التعليقات متوقفه