الإنجاز الأهم – عبد القادر عبد اللي – خاص الغربال
الإنجاز الأهم
عبد القادر عبد اللي – خاص الغربال
أسماء كثيرة تطلق على الثورة السورية، وأكثر اسم أعجبني: “الكاشفة” نعم، كشفت الكثير.
البعض اعتبرها كاشفة لأنها كشفت مواهبَ كانت دفينة. وأنا كآخرين اعتبرناها كشفت زيفَ كثير من الناس. نعم إنها كاشفة، وقد كشفت عن إنجاز غاية في الأهمية…
* * *
تنقل صديقي أبو يحيى بين مناصب رفيعة عدة. وهو معروف بكلامه القالبي التافه أو الذي يسميه البلغاء أبناء السوق: “علاك صدئ”. ذات جلسة من جلساتنا لفت نظره كتاب كنت أقرأه عن نظرية “شك الشك”، فتحول الحديث إلى جدّ على غير العادة، ولعل الأمر تمّ تحت تأثير شرب ما بعد الكأس الرابع، وتطرق إلى الفلسفة ونظرياتها، والصحافة، والعلاقات الدولية، والأديان… طال الحديث وفوجئت به، وعرفت أنه مثقف كبير. أبديت استغرابي من عدم خوضه الميدان الثقافي خاصة أن بين المناصب التي شغلها رئيس تحرير جريدة معروفة، فرد علي بعبارة حُفرت في ذاكرتي على ألا تمحى: “إذا عرفوا أنني أفهم سيحلقون لي!”
* * *
الموضوع الذي كان يُكّيف مع المواد الدراسية كلها، هو موضوع “إنجازات الحركة التصحيحية”. فهو يُعطى في اللغة العربية والتاريخ والجغرافية، والتربية الفنية، والموسيقية، والإسلامية، وعلم الفضاء إن وجد أيضاً.. وتروى طرائف عن هذه الإنجازات، وقد حدثت معنا كثير منها، ولكثرتها لم تعد جذابة. كان يأتي تعميم من مديرية التربية، بناء على تعميم من الوزارة بتخصيص الحصتين الأولى والثانية من يوم 16/11 للحديث عن إنجازات الحركة التصحيحية. وفي تلك الحصص دخلت كل الأبنية التاريخية بدءاً من الجامع الأموي وليس انتهاء بسد مأرب ضمن قائمة الإنجازات. نعم لا تستغربوا، فقد كنت أحضر لمتدربة تعطي درساً عن تلك الإنجازات، فقام أحد الطلاب، وقال: “سد مأرب” فأثنت عليه المتدربة، وشَكَرَته، وعندما سألت المتدربة عن “سد مأرب” بعد الدرس، قالت لم أسمع به.
لم تكشف الثورة زيف تلك الإنجازات التي تعددها الكتب، فأغلبنا يعرف أنها كذبة كبيرة، وأن سوريا لا تنتج نصف حاجتها من الكهرباء، وتحتاج ضعفين ما لديها من مدارس، وضعفين من طرق برية مؤهلة، وقطاراتها من الأكثر تخلفاً في العالم، وغيرها، وغيرها… ولكن هناك إنجازاً مهماً جداً لا أحد يأتي على ذكره، وهو راسخ رسوخ جبل الشيخ، وقاسيون. نعم إنه “التجهيل”. إن أهم إنجازات الحركة التصحيحية على الإطلاق هو التجهيل.
تقول الجوقة: “النظام العلماني!” والجوقة نفسها تقول: “النظام الطائفي!”، ويكون قصدها “الملحد” يقول آخر: “النظام القومي!” وهو نفسه في معرض حديثه بعد دقائق يقول: “نظام الدمية الصفوي!” يقول ويقول النقيض، يشتم الشيعية، تسأله عما تعنيه الشيعية فهو لا يعرف أن عمر العقيدة التي تمارس اليوم باسمها خمسمائة سنة، وهي في بلادنا منذ أربعين سنة فقط.. من جهة أخرى يتحدث عن بطولات حققها الجيش الحر بأنه دمر عشرات الدبابات وأسقط عشرات الطائرات، وقتل المئات من الجنود في معركة واحدة، فتقول له: “أخي، لماذا هذا الفرم؟” يرد عليك: “نحن نخوض حرباً نفسية!” تقول له: “عفواً، ماذا قرأت عن الحرب النفسية؟” يبتسم مستخفاً بك: “أستاذ شو بدها قراءة؟ الشغلة بسيطة!”
* * *
رحمك الله يا أبا يحيى عندما كنت تتظاهر بالسفاهة لأنهم إذا عرفوا أنك تفهم سيحلقون لك، ويجردونك من مناصبك. هل ستبدأ حلاقة الرؤوس من الرقاب بعد الآن بتهمة “جريمة الفهم”؟
التعليقات متوقفه