“لواء يازجي” تسجل آثار الحرب في نفوس السوريين بـ”مسكون” – عبد الرحيم خليفة
مساء الأربعاء 23 – 03 – 2016 كان الجمهور الروماني على موعد مع الفيلم السوري التسجيلي “مسكون” للمخرجة لواء يازجي، التي حضرت خصيصا للتفاعل مع الجمهور، والإجابة عن اسئلة المشاهدين. الفيلم هو الآول للمخرجة السورية الشابة، الذي يسجل، بالصوت والصورة، عذابات السوريين في ظل الحرب، وإضطرارهم لترك منازلهم، ومغادرة وطنهم.
الفيلم جاء في إطار أسبوع السينما، الذي رعته منظمة One World – Romania المهتمة بحقوق الإنسان، وسبقت نشاطها السينمائي بمعرض صور في قلب العاصمة بوخارست، إلتقطت صوره عدسات ناشطيها، وكلها توثق رحلات المهاجرين والمخاطر التي يتعرضون لها في قوارب الموت، وجحيمه، هربا من موت لآخر.
“مسكون” كما أرادت المخرجة أن تقول، هو الآرض والوطن والذكريات الحميمة، التي تسكن أرواحنا، وتستقر في وجداننا، وليس مجرد سكن، أو مكان إقامة لفرد، أو آسرة، أو جماعة. من خلال شخصيات عديدة تطرح هواجسها ومخاوفها وتعيش تفاصيل الحرب ويومياتها يبدأ الفيلم (شهر أيلول 2012)، من حي برزة الدمشقي ليمر على حي التضامن، وأحياء آخرى يطالها القصف العشوائي، ويقتل القناصة المنتشرون على الآسطح والمباني العابرين والمارين، والمتشبثين بالحياة وأحلامهم، لينتهي جميع من تحدثوا بالفيلم خارج منازلهم، وهم واثقون بأنهم لن يعودوا إليها.
يتكلم الفيلم عن رجل وإمرآة لا يخافان أصوات القصف، ويميزان أنواع الآسلحة من أصواتها، وهما خائفان من نفاذ مالديهما من مأكل ومشرب، وحتى بيرة.إذا ما أطبق الحصار، وحصلت الهدنة. آخر من نازحي الجولان سيغادر الى حيث آتى مرغما، وهو يعرف أنها محتلة. فلسطيني يتحدث عن هجراته المتعدة إلى لبنان والكويت، وكان يظن أن دمشق آخر محطاته.
شاب يبحث لوالدته عن معطفها الأسود التي غادرت منزلها لمكان آخر، وهو يروي كيف خبأت الآشياء العزيزة عليها من فناجين قهوة وأواني كريستال وسواها.. ينتقل الفيلم الى مخيم شاتيلا حيث يصل إيجار الغرفة الواحدة الى 300 دولار شهرياً، مع أنها لا تصلح للسكن الآدمي. يرصد حياة الخيام، ولعب الآطفال، يتذكر أبا فقد إبنه بمرض عضال، وأشياء آخرى، وتفاصيل إنسانية مؤلمة وموجعة، لينتهي (نهاية 2012) بصور خراب معمم لشوارع وأحياء بكاملها، ونزوح جماعي لمجاميع بشرية هائمة على وجوهها!! تبدو اللغة المستعملة حيادية إلى حد كبير، لا موقف واضحا مما يجري، لولا صور الطيران الذي يقصف دون تمييز، ليعطي دلالة عن القاتل والقتيل، وقناة الجزيرة التي تبث الأخبار والتقارير، عن ما يدور، وكتابات على واجهة محل مغلق. ومن أهم ما يمكن تسجيله أن الفلم يخلو من أي صورة لجثامين الشهداء، أو لأشلاء القتلى، أو الدماء البشرية مما يزخر به الوضع السوري حاليا نتيجة الصراع والعنف المتفسي منذ سنوات، الصور والألوان طبيعية، ودون مؤثرات صوتية، ليبدو وكأنك تعيش معهم وبينهم.
لقي الفيلم تفاعلا كبيرا من الجمهور، الذي غصت القاعة به، ومعظمه من فئات عمرية شابة، ونخبوية، بحكم طبيعة الفيلم التسجيلية، وموضوعه. يذكر أن الإفتتاح يوم 21 من الشهر الجاري، حضره المئات من المهتمين، وكان يتضمن عزفا منفردا على العود للفنان السوري الحلبي محمد الزعتري، والذي كان مميزا بحضوره يوم إفتتاح معرض الصور. اقبال الشعب الروماني على الفلم، وتفاعله معه، تكشف عن تقصيرنا في طرح قضايانا على المجتمعات الآوربية بعيدا عن المؤسسات الرسمية، لما لها من تأثير كبير على صناع القرار في أوربا.
التعليقات متوقفه