عبور النهر مصدر قلق للأهالي: مع دمار الجسور…كيف يعبر السكان نهر الفرات شرق سوريا؟
“لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذي توفي فيه طفلي، بعدما كنت أنتظر بفارغ الصبر أنا وزوجي لحظة قدومه للحياة، فدمار الجسور وتأخر وصول العبّارة المائية تسبّب بوفاة الجنين في أحشائي”، هكذا تشرح دعاء جدعان من سكان دير الزور ما حدث معها بحرقةٍ، حالةٌ تلخّص المعاناة الكبيرة لسكان دير الزور للمرور عبر نهر الفرات مع دمار جميع الجسور في المحافظة، بينما بات الوضع أفضل لأهالي الرقة بعد إعادة صيانة بعض الجسور المدمرة.
رغم إنهاء وجود “داعش” في مناطق شرق سوريا، ما يزال السكان يعانون من التنقّل عبر نهر الفرات، في ظل استمرار دمار الكثير من الجسور التي تربط بين ضفافه، والتي تم تدميرها خلال الحرب ضد التنظيم، ما يضطرهم للتنقّل عبر قوارب أو عبّارات والتي تعرف بـ “البرك” وهي عبارة عن مربع من الحديد تقوم بدفعه مولدة ديزل، إلا أن تلك الوسائط تعد مشكلةً في حد ذاتها.
دعاء جدعان من بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي، بدأت تشعر بآلام المخاض، ليقوم زوجها على الفور بنقلها نحو العبّارة النهرية للانتقال من مناطق قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الى إحدى مشافي التوليد في مناطق النظام، لكن العبّارة تأخرت عن الانطلاق لحين اكتمال عدد الركاب المطلوب، وبعد الوصول إلى الضفة الأخرى من النهر، انتظروا كذلك على حاجز النظام، ومع كل دقيقة انتظار تزداد آلام دعاء الى أن وصلت إلى المشفى، لكن بعد فوات الأوان، حيث توفي الجنين في أحشائها، ولولا عناية الله لفارقت دعاء الحياة أيضاً.
جلال الحمد مدير “مرصد العدالة من أجل الحياة”، أكد أنه “تم تدمير الجسور الكبيرة والصغيرة على نهر الفرات في دير الزور، سواءً من قبل طيران التحالف الدولي أو النظام وحلفائه، بغية قطع الإمدادات عن تنظيم داعش، وهذا أثّر بشكلٍ كبير على عملية التنقّل من ضفةٍ إلى أخرى، ولاسيما بعد تقسيم دير الزور، بحيث باتت إحدى ضفتي نهر الفرات بيد النظام، والأخرى بيد (قسد)”.
وأضاف الحمد لموقع فوكس حلب “لم يعد أحد يتنقّل من ضفةٍ الى أخرى إلا لأمرٍ ضروري، كتسيير أوراق أو لتفقد المنزل، وذلك خوفاً من الاعتقالات والتجنيد الاجباري، كما أن هناك أناس لا يعرفون إن كانوا مطلوبين لدى الأسد أم لا، لذا يستعينون بأشخاص مرتبطين بالنظام بغية تأمين عبورهم أو إجراء تسوية، وذلك مقابل دفع مبالغ مالية لهم”، مشيراً الى أن “سرير النهر من جهة النظام تسيطر عليه الفرقة الرابعة، ويضطر أي شخص لدفع رشاوى وإتاوات لعناصر الفرقة كي لا يتم اعتقاله أو تفييش اسمه، أو للسماح له بإدخال البضائع”.
بدوره قال أحمد الرمضان مدير شبكة “فرات بوست” الإعلامية: إن “التنقّل عبر نهر الفرات في دير الزور بات مصدر قلق للأهالي، فهناك كثير من السكان والنازحين تعرضوا للغرق خلال عبور النهر، فمنذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي، توفي أكثر من (70 شخصا) غرقاً خلال التنقّل من ضفةٍ لأخرى، فضلاً عن احتمال الاعتقال على حواجز النظام أو الاستهداف من قبل القناصة”.
وأفاد الرمضان أن “تكلفة تنقّل الشخص بالقوارب أو العبّارات تبلغ ٥٠٠ ليرة سورية على الشخص الواحد، بينما يتم دفع 4 آلاف ليرة لنقل السيارة عن طريق العبّارات، إضافةً إلى الإتاوات المفروضة من جهة النظام على كل شخص يود المرور، والتي لا تقل عن ألف ليرة”.
المعاناة خلال التنقّل من المعابر النهرية في دير الزور تطال كذلك الموظفين، حيث يضطر الموظف إلى الانتظار كل يوم حتى يكتمل نصاب الركاب في العبّارات أو القارب، وقد تتعطل العبّارة في منتصف النهر، وفي بعض الأحيان يحتاج الموظف لأخذ تكسي بــمبلغ (500) ليرة ليصل إلى عمله في الوقت المحدد.
وفي نفس الوقت يعاني الفلاحون خلال نقل محصولهم من مناطق “قسد” إلى مناطق النظام، حيث تتقاضى حواجز الأخير أتاوات مقابل السماح بإدخال المحاصيل الزراعية حسب الكمية التي يقوم الفلاح بإدخالها، فضلاً عن مصادرة جزءٍ من المحصول، إضافةً إلى الكثير من الحوادث منها غرق العبّارات بسبب الحمولة الزائدة، من محاصيل زراعية وسيارات.
وكانت المعابر النهرية مصدر خطر على الأهالي خلال المعارك ضد تنظيم “داعش”، حيث ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها نهاية العام الماضي، إن ما لا يقل عن عشرين معبراً مائياً على نهر الفرات في محافظة دير الزور، تعرَّض الى (31) هجوماً من قبل النظام وروسيا والتحالف الدولي.
وأكَّد التقرير أن 90 % من الهجمات التي نفَّذتها روسيا أو النظام على المعابر المائية، استهدَفت تجمعاتٍ للمدنيين أثناء محاولتهم النزوح والفرار من عمليات القصف التي تنفذها هذه القوات على قراهم وبلداتهم باتجاه قرى موجودة على الضفة المقابلة لنهر الفرات، وقد تسبّبت تلك الهجمات على المعابر المائية في مقتل (241) مدنياً بينهم (28) طفلاً و(23) سيدة، إلا أنه عقب القضاء على “داعش” نهاية 2017 توقف القصف، وأصبحت المخاطر مقتصرةً على حالات الغرق والاعتقال.
صيانة “جسر الرقة القديم” يُخفّف معاناة الأهالي
في المقابل لم يكن الواقع في محافظة الرقة أفضل حالاً من دير الزور، حيث قام التحالف الدولي خلال معاركه ضد تنظيم “داعش” بتدمير كل الجسور في الرقة وآخرها في شباط 2017، وبالتالي بات عبور النهر عن طريق القوارب والعبّارات، الى أن أعلن “مجلس الرقة المدني” في نيسان الماضي افتتاح جسر الرقة القديم (المنصور) أمام السيارات، بعد انتهاء أعمال إصلاح الأجزاء المدمرة من الجسر منذ عامين، إضافةً إلى صيانة بعض الجسور الصغيرة في ريف الرقة.
وقال الصحفي نور الدين رمضان من أبناء الرقة: “قبل إعادة صيانة الجسر القديم كان الواقع سيئاً للغاية، حيث كان الأهالي يستخدمون العبّارات والقوارب للتنقّل ببضائعهم وسياراتهم بين ضفتي نهر الفرات، وكانت أبرز العقبات التي تواجه السكان، تكمن في أن تلك الوسائط لا تحمل إلا وزناً محدداً فقط، ولا تستطيع العبور في الأجواء المطرية العاصفة، الأمر الذي يُقيّد الحركة خلال فصل الشتاء، فضلاً عن حالات الغرق المتكررة بسبب الحمل الزائد، والتكاليف التي كان يدفعها أهل الرقة”.
وأضاف نور الدين أن “أبرز الجسور المتواجدة على نهر الفرات في الرقة جسر الرقة الجديد (الرشيد)، وجسر الرقة القديم (المنصور)، والذين يتواجدان جنوب مدينة الرقة، واستغنى السكان عن التنقّل عبر النهر، بعد ترميم الجسر القديم، ولاسيما في ظل أهميته كونه يشرف على أوتوستراد محافظة دير الزور-حلب، ويصل الريف الجنوبي والشرقي للرقة بالمدينة، إضافةً إلى أنه ليس هناك أي أجور مقابل المرور من الجسر، لكن المشكلة تكمن في ضيق هذا الجسر الذي لا يتجاوز عرضه سبعة امتار ولا يستطيع تحمّل الشاحنات والسيارات فوق وزن خمسة اطنان”
دير الزور بلا جسور
تتميز محافظة دير الزور بكثرة الجسور فيها، كون نهر الفرات يقطع مسافة 135كم داخل أراضي المحافظة، ويستمر حتى مدينة البوكمال الحدودية حيث يدخل الأراضي العراقية، ويخترق مدينة دير الزور تحديداً فرع نهر الفرات الصغير من وسطها، أما الفرع الكبير فيمرُّ من طرفها الشمالي، ويفصل بين محافظتي دير الزور والحسكة.
ويبلغ عدد الجسور في دير الزور قبل تدميرها خلال سنوات الحرب (26) جسراً منها (14) جسراً على نهر الفرات، و(12) جسراً على الوديان السيلية.
الجسر الأبرز والأشهر هو الجسر المعلق في مدينة دير الزور، وهو معلم أثري وسياحي اشتُهر في المدينة شيّده الفرنسيون في العام ١٩٢٠، وافتُتح في العام ١٩٣٢ وبات مع مخصصاً للمشاة فقط، لكنه دُمر في عام ٢٠١٣، حيث اتهم ناشطون النظام بتدميره، وهناك من اتهم التحالف الدولي بتدميره.
ومن الجسور الموجودة في دير الزور أيضاً، جسر “البعث”، وجسر “السياسية” الذي يقع على الفرع الكبير لنهر “الفرات”، وجسرا “الثورة” و“الكنامات” ويقعان على الفرع الصغير للنهر، إضافةً لجسور المشاة، جسري “محمد الدرة” و”إيمان حجو”، وجميعها كانت تقع في مدينة دير الزور، وهناك أيضاً جسر “الميادين” وهو الجسر الوحيد في مدينة الميادين ويقوم بربط القرى الواقعة في بادية الشامية المعروفة “بالجزيرة”.
ويوجد جسران حربيان مصنّعان من الحديد والخشب، وهما جسر مدينة “العشارة” إلى الشرق من الميادين، وجسر “حلبية وزلبية” في الريف الشمالي الغربي، وتتميز هذه الجسور بإمكانية فكها وتركيبها في أي موقع آخر، إضافةً إلى جسر “مدينة البوكمال”.
رغم مرور عامين على سيطرة النظام على دير الزور ما تزال المحافظة بلا أي جسور، ما يُسبّب حالة من الاستياء لدى السكان، وقال الصحفي في “شبكة الشرق نيوز” فراس علاوي: إن “دير الزور بات بلا أي جسور تماماً، وأصبح اعتماد المدنيين على المعابر النهرية التي تغلق في بعض الأحيان، عندما تتوتر العلاقات بين قسد والنظام”.
وأشار علاوي الى أن “عدم ترميم جسور دير الزور يعود الى أن تلك الجسور تربط بين مناطق سيطرة الأسد وقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي فليس هناك أي اتفاق أو تنسيق بينهما في هذا الموضوع، ويقتصر الأمر على تبادل النفط والمواد الغذائية والبضائع بين الطرفين”.
وكانت قوات النظام أعلنت السيطرة على مدينة دير الزور في تشرين الثاني 2017 بعد طرد تنظيم “داعش” منها، في حين أعلنت “قسد” انهاء وجود التنظيم في كامل ريف دير الزور في آذار 2019، بينما تم القضاء على “داعش” في الرقة منذ تشرين الأول 2017.
المصدر : فوكس حلب لهاني العبد الله
التعليقات متوقفه