المياه كابوس يُؤرّق 11 ألف نازح في مخيم الركبان
11 ألف شخصاً بقوا داخل مخيم الركبان يعانون واقعاً إنسانياً مزرياً، وتعتبر المياه مشكلة متكررة في المخيم، ففي كل فترة يتم قطعها عن النازحين من قبل الجانب الأردني، ما يتسبّب في حرمان قاطني الركبان من هذه المادة الأساسية، وبالتالي يضطرون لشرائها أو الاعتماد على المياه الملوثة، ما أدى لانتشار الكثير من الأمراض ولا سيما بين الأطفال.
وقال الناطق الرسمي باسم الهيئة السياسية في مخيم الركبان شكري شهاب “يتم تأمين المياه لمخيم الركبان من محطة ضخ أنشأتها منظمة عون الممولة من قبل الأمم المتحدة داخل الحدود الأردنية، ويتم نقلها عبر أنابيب إلى خزانات ضخمة ومن ثم تُصب هذه الخزانات على عشرة موارد مياه، كل مورد يوجد فيه أكثر من ثلاثة صنابير، حيث يقوم أشخاص يمتلكون طنابر (عربة يجرها حمار) بتعبئة المياه من هناك وتوزيعها على النازحين”.
ويُباع البرميل الواحد بـ 250 ليرة سورية (تكلفة نقل المياه)، وتحتاج العائلة الواحدة إلى برميل مياه للشرب والاستخدام المنزلي يومياً، وبالتالي فإن تكلفة المياه شهرياً تصل إلى 7500 ليرة، وهو مبلغ ثقيل على عائلة لا تملك أي مصدر دخل.
رغم توفّر المياه إلا أن النازحين يبقون في حالة قلق، وفي هذا الإطار قال شكري شهاب لموقع فوكس حلب “صحيح أن مصادر المياه متوفرة، لكن المشكلة أنه في كل فترة يقوم الجانب الأردني فجأةَ بقطع المياه عن النازحين في المخيم، أو يحدث عطل في محطة التوليد أو الأنابيب التي تُضخ المياه عبرها، لذلك يضطر الأهالي أحياناً لنقل المياه بالأواني إلى خيامهم، من النقطة الغربية والتي تتواجد فيها خزانات مياه، رغم أنها تبعد 5 كم عن المخيم”.
ويرى المهندس الزراعي مناف السالم (خبير في تنقية المياه)، أن “الأردن بات خلال السنوات الخمس الماضية من الدول التي تعاني من شح شديد في المياه، مع انخفاض منسوب نهر الأردن وقلة الأمطار وجفاف الكثير من الآبار الجوفية، لذلك بات الاعتماد في المملكة بشكل كبير على مناطق تجمع الأمطار ومياه الصرف الصحي، لهذا فإن المياه التي يتم ضخها بأنابيب الى مخيم الركبان، تُضاف اليها كميات كبيرة من الكلور لتعقيمها”، مشيراً الى أن “المياه المليئة بالكلور قد تسبب الفشل الكلوي والتهاب المجاري البولية وتليف الكبد”.
وأضاف السالم أن “مخيم الركبان يقع في منطقة صحراوية، لذلك يعتمد الأهالي أحياناً على مياه الأمطار التي تتجمع في الحفر، والتي تختلط مع الرمل والتراب، وبالتالي فهي غير صالحة للشرب، وهذا ما يدفع النازحين لتعقيمها بطرق بدائية عبر غليها وتصفيتها، لكن هذه الطريقة غير آمنة، فهناك أنواع عديدة من الجرائيم لا تُقتل بهذه الطريقة، وتحتاج لمواد تعقيم خاصة، وبنفس الوقت هناك أطفال يشربون من مياه الحفر مباشرةً دون أي تعقيم، وهذا يعتبر أمر كارثي”.
أبو حسين من سكان مخيم الركبان يسرد حلول النازحين البدائية لتأمين المياه قائلاً “في حال انقطاع المياه من الجانب الأردني يصبح الوضع كارثياً، حيث نضطر للاعتماد على مياه الخبرات، وهي عبارة عن تجمع لمياه الأمطار الهاطلة طيلة فصل الشتاء، ويختلف حجم التجمع من مكانٍ إلى آخر وبحسب كمية الهطول في كل عام، إلا أن هذه المياه غير صالحة للشرب وتُستخدم لغرض الاستحمام والغسيل وتأمين الشرب للماشية”.
وأضاف أبو حسين أن “بعض مياه الخبرات بعيدة عن المخيم ما يقارب 20-50 كيلو متراً، لذا يقوم بعض الأشخاص ممن يملكون صهاريج أو شاحنات بتعبئة المياه وبيعها لنازحي الركبان بأسعار تتراوح ما بين 500 ليرة إلى 1000 ليرة سورية للبرميل الواحد”، مشيراً الى أن “النازحين يقومون بتعقيم مياه الخبرات باستخدام مادة تسمى الشبّة، لكن رغم ذلك يصاب الكثير من النازحين وخاصةً الأطفال بالإسهال والالتهابات المعوية نتيجة شرب تلك المياه. دائماً نشعر بالقلق والخوف عند شرب المياه، ففي كلتي الحالتين (من الجانب الأردني أو من الخبرات) تعتبر المياه غير مضمونة”.
والشبة هي عبارة عن مركّب كيميائي يتكوّن من حجر الشب، يحتوي على نوعين من الملح وهما: كبريتات البوتاسيوم والألمنيوم المائيّة، ومن أفضل أنواع الشبة هي الشفافة البيضاء، التي تستخدم لتعقيم المياه الموحلة، حيث يمكن إضافة 1غرام من مسحوق الشبة إلى لترٍ من المياه الموحلة، مما يُرسّب جزيئات الوحل.
أربعة ممرضين وقابلتين لكامل المخيم
وتزداد معاناة النازحين مع سوء الواقع الطبي، حيث لا يوجد أطباء مختصون وأدوية فعّالة لعلاج الأمراض الناجمة عن سوء المياه، وأفاد شكري شهاب (ممرض في المخيم)، أنه “لم يدخل أي طبيب مختص إلى المخيم منذ إنشائه في 2015، وإنما يوجد أربعة ممرضين وقابلتان فقط يعملون ضمن النقاط الطبية الثلاث في الركبان، كما يوجد نقطة طبية تابعة لليونيسيف داخل الأراضي الأردنية تبعد عن المخيم حوالي 10 كيلو متر، تفتح أبوابها منذ الساعة 10 صباحاً حتى 3 ظهراً”.
وعبّر شهاب عن استيائه من استهتار المجتمع الدولي بأرواح نازحي المخيم قائلاً “من السهل أن يموت الطفل نتيجة الأمراض الموسمية البسيطة كالرشح والإسهال، بسبب عدم وجود أدوية وإمكانيات طبية، كما يقع مخيم الركبان ضمن منطقة صحراوية، ما يتسبّب في إصابة قاطنيه بلدغات العقارب، ومع كل عاصفة رملية يصاب حوالي خمسة أشخاص بلدغات العقارب، ولم يعد لدى المخيم مواد مضادة حيث نفذت منذ شهرين، وبالتالي بات على المصاب الانتظار للدخول إلى النقطة الطبية الحدودية لتلقي العلاج”.
كما أن الدخول للنقطة الطبية في الحدود الأردنية يتطلب موافقات أمنية، ولا يحصل عليها إلا صاحب الحظ وللحالات الاستثنائية أو كما يسمونها إنقاذ الحياة، وسبق أن توفيت امرأة وجنينها بمخيم الركبان في حزيران الماضي، بعد رفض الأردن إدخالها للمشفى، ونشرت هيئة العلاقات العامة والسياسية في الركبان تقريراً وصفت فيه ذلك التجمع بمخيم الموت بعد خلوه من الأدوية وحليب الأطفال نتيجة حصاره.
وفي ظل سوء الواقع الطبي لجأ النازحون إلى بعض الحلول الفردية، وفي هذا الإطار قال النازح أبو حسين: “مع قلة الدعم أصبحنا نعتمد على أنفسنا، فحين يصاب شخص بلدغة عقرب، نستعمل الطب العربي مثل حليب الماعز الأسود والكلور وبعض الأعشاب البرية، كما يفتقر المخيم للأدوية، ولا يتوفر سوء دواء القمل وحبوب فيتامين فوليك أسيد الخاصة بالحوامل، لذلك يضطر البعض لشراء الأدوية المهربة بأسعار باهظة”.
ويقطن في المخيم الذي أنشئ قبل أربع سنوات وسط أرض قاحلة تحيط بها رمال الصحراء، نحو 11500 نسمة (بعد أن كان يضم نحو 60 ألفاً قبيل بدء قوافل النازحين بالخروج صوب مناطق النظام في آذار الماضي)، بحسب الهيئة السياسية للركبان.
المصدر: فوكس حلب لهاني العبد الله
التعليقات متوقفه